الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    الأهلي ينتصر على الفيحاء بهدف رياض محرز    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    القبض على 4 مقيمين في جدة لترويجهم «الشبو»    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتخابات العراق.. تحالفات وأغلبية صامتة
نشر في اليوم يوم 25 - 04 - 2014

أبرز مظهر أو سمة في المقارنة بين الانتخابات القادمة والسابقة، انتخابات مجلس النواب لعام 2010، هو تزايد عدد الائتلافات وتقلص عدد الكيانات المشاركة، وتوزع التحالفات الكبيرة لمصلحة ائتلافات صغيرة، وإن بقيت ضمن الاصطفاف الطائفي والاثني والمناطقي. فقد بلغ عدد الكيانات المسجلة للمشاركة في الانتخابات القادمة 277 كيانا، انتظم أكثرها في 39 ائتلافا كبيرا، بينما الكيانات التي تم تسجيلها عام 2010 بلغت 297 كيانا، انضم أغلبها في 12 ائتلافا. كما يلاحظ تزايد اعداد المرشحين عن الكيانات، ففي انتخابات 2010 تنافس ما يقارب 7 آلاف مرشح بينما في الانتخابات القادمة يتنافس أكثر من 9 آلاف مرشح. ويمكن القول إن الانشقاقات والكيانات الصغيرة تشجعت أو تماشت مع طريقة سانت ليغو المعدلة في احتساب الأصوات وتوزيع المقاعد، التي تعطي فرصة أكبر للقوائم الصغيرة والمتوسطة على حساب القوائم الكبيرة، ما دفع الأخيرة إلى النزول بتحالفات أصغر لضمان عدم خسارة أصواتها. ويلاحظ بقاء الكتل السياسية الكبيرة في مواقعها التسلسلية في العملية السياسية، مع انقسامات ليست كبيرة فيها، بحيث لا تغير في الخارطة العامة لها. اذا قرأت المشاركات في الانتخابات السابقة، مع بعض التغييرات الاضافية.
* التحالف الوطني انشطر إلى عدة ائتلافات، توزعت بين:
- ائتلاف دولة القانون، برئاسة رئيس الوزراء المالكي وشمل 12 كيانا، أبرزها طبعا حزبا الدعوة الاسلامي وتنظيم العراق وكتلة المستقلين وكيانات سياسية أخرى ذات طابع اثني (تركمان، شبك) وعلماني، والأبرز فيه سحب حليف تاريخي للمجلس الاسلامي الأعلى، هو منظمة بدر، والذي أصبح جزءا من ائتلاف دولة القانون منذ انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي.
- ائتلاف المواطن ضم 20 كيانا، الأبرز فيه المجلس الاسلامي الأعلى برئاسة السيد عمار الحكيم والمنظمات القريبة منه أو المحسوبة له كحركة الجهاد والبناء، ومؤسسة شهيد المحراب، وتجمع الأمل، اضافة إلى المؤتمر الوطني العراقي برئاسة السيد احمد الجلبي، وبعض الحركات والكيانات الصغيرة التي تشكلت مؤخرا.
- تحالف الاصلاح الوطني برئاسة السيد ابراهيم الجعفري وضم 7 كيانات.
- ائتلاف الأحرار وضم 3 كيانات، أبرزها ما يمثل التيار الصدري رسميا وأنصاره، مع توزعه أيضا في قوائم ثانية باسمه أو بأسماء أخرى.
* القائمة العراقية انشطرت إلى ائتلافات رئيسية هي:
- متحدون للإصلاح وضم 13 كيانا برئاسة رئيس البرلمان اسامة النجيفي، بالإضافة الى مسميات وواجهات سياسية جديدة تشكلت مؤخرا أغلبها تابعة للحزب الاسلامي العراقي، فرع جماعة الاخوان المسلمين في العراق، اعتبره بعض المراقبين «بالتحالف الاقرب إلى الاسلام السياسي منه إلى العباءة العلمانية التي ارتدتها هذه الكيانات تحت لواء القائمة العراقية خلال الفترة الماضية».
- ائتلاف العربية وضم 9 كيانات برئاسة نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك.
- ائتلاف الوطنية وضم 15 كيانا برئاسة السيد اياد علاوي، رئيس القائمة العراقية السابق.
* دخلت الانتخابات القادمة قوائم وائتلافات جديدة، مثل ائتلاف العراق وهو تجمع ضم 28 كيانا أغلبها من كتل وتجمعات ليبرالية وعشائرية ثرية، وقائمة التحالف المدني الديمقراطي، التي تضم الحزب الشيوعي العراقي والتيار الديمقراطي وحزب الشعب وآخرين. اضافة إلى كيانات وتحالفات يترأسها وزراء أو نواب سابقون.
* أما التحالف الكردستاني فقد شمله الانشطار أيضا ونزل إلى الانتخابات بائتلافات متعددة، بأسماء كالائتلاف الكردي الموحد أو السلام الكردستاني أو الوطني الكردستاني. وكما فعلت الكتل الاخرى قسم قواه الاخرى بين الانضمام إلى قوائم محلية أو متعددة بأسماء أخرى. فضلا عن الانشطار الذي حصل في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، برئاسة السيد جلال الطالباني، رئيس الجمهورية الغائب بسبب المرض، واتخذ اسم حركة التغيير وقاده نائبه مصطفى نوشروان وفاز بأصوات مهمة في الانتخابات السابقة في الاقليم والمحافظات.
في كل الاحوال ان القوائم المشتركة في التنافس الانتخابي تحمل بصمات التجربة الماضية، وتحاول ان تعيها رغم انعكاساتها المخيبة في أغلب المجالات. وتتكهن جهات متابعة او راصدة بتوقعات واستبيانات تشير إلى حظوظ كبيرة للقوائم الرئيسية ومشاركات محدودة للأخرى. حيث تشير تلك التوقعات إلى أن الشارع العراقي مازال واقعا تحت تأثيرات الخطابين الديني/ الطائفي والقوماني، وربما بحث منها وتفاعل أقل في الخوض في عمليات تغيير جذري، رغم تذمره وتشكيه المستمرين وتحمله لمشاق وصعوبات الحياة اليومية وتعقيدات الأمن والاستقرار.
المعضلات والصعوبات التي تظهر على المشهد السياسي قبل الانتخابات:
منذ غزو العراق وإسقاط النظام السابق تفاعلت ديناميكية جديدة في العملية السياسية وإدارة الدولة قائمة على أساس المحاصصات الطائفية والاثنية.
وأصبح الاستقطاب الديني/ الطائفي والقوماني واضحا في المشهد السياسي. ويزداد حدة في موسم الانتخابات التشريعية والمحافظات والإقليم. ويعبر عنه أحيانا في وسائل عنفية أو تهديدات بها علنا ودون حساب لأضرارها على العملية السياسية أو الديمقراطية، وقد تتأثر بعضها بعوامل خارجية لم تعد مخفية عن الشارع السياسي في العراق. والتي تشكل معضلة فعلية ومعوقا مركبا.
كما تضع معضلة الملف الأمني طيلة الفترة السابقة اشكالية مركبة أخرى للشعب العراقي، وهي الأبرز في المعضلات العراقية، حيث استمرار تفجيرات السيارات والعربات والعجلات المفخخة، والعبوات والأحزمة الناسفة، والقذائف واللاصقات، التي باتت تضرب أحياء العاصمة الشعبية والمدن الأخرى كل يوم، ولم تتوقف جرائم الاغتيالات والاختطافات وصب الزيت في نيران الارهاب والعنف واهتزاز الأمن والاستقرار. وهو أمر خطير ينعكس سلبا على المشهد السياسي والعملية الانتخابية أيضا.
ازدادت معضلات الفساد الاداري والسياسي والرشوة وسوء الخدمات خلال السنوات التي مرت. وتصاعدت انتهاكات حقوق الانسان، وتزايدت ارتكابات خطيرة ضد المواطنين المدنيين على أسس مختلفة وذرائع متباينة ومتبادلة في أغلب الأحيان. في ضوء ذلك يرى بعض المراقبين للعملية السياسية أو العاملين فيها أن المشهد السياسي في العراق لن يشهد تغييرا كبيرا، بسبب تبعات الاستقطاب الطائفي والتشكيل الجغرافي له. كما أن تفاقم المعضلات السابقة، الأمنية وتفشي الفساد وقلة الخدمات، تلون المشهد السياسي ما قبل الانتخابات بالإرباك، وتقدم صورة تكشف فقدان الكتل السياسية والكيانات الانتخابية إلى الكثير من قاعدتها الجماهيرية. ويرى محللون سياسيون أن الاوضاع القائمة تولد تهديدا للمستقبل السياسي لهذه الأحزاب والكيانات، ولهذا أخذ بعضها يستند بقصد على مبدأ التسقيط السياسي. هذا فضلا عن أن استمرار التدهور في الملف الأمني والفساد الاداري وتلازمه مع الملف السياسي والخيارات الأخرى دفعت بعضها إلى خيارات أخرى. كما حصل في قضية انسحاب السيد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، وله اربعون نائبا في البرلمان الحالي، من العمل السياسي، هو وتياره، ومن ثم تراجعه ودعوة انصاره ومؤيديه إلى المشاركة الجدية في الانتخابات. وكذلك في حدية تصريحاته ضد المالكي وتقابلها بمثلها في تصريحات للمالكي. كل هذا أعطى مؤشرا بأن مفهوم اللاعبين الأقوياء هو من يحكم المشهد السياسي القادم. وهناك رأي يقول إن «أمراء الطوائف السياسيين هم من سيتحكمون بالمشهد السياسي المقبل وبمباركة أميركية - إيرانية نسجت خيوطها الزيارات إلى طهران وواشنطن». وهي فكرة متناقلة ومتواترة تحتاج الى نظرة موضوعية في التحليل.
كما ان الانتخابات التي تمت والقادمة أجريت دون وجود قانون للأحزاب، ينظم عملها ونشاطاتها وبرامجها. ويحدد أسلوب ومصادر تمويل الحملات الانتخابية، الأمر الذي بقي مفتوحا للاستعانة بالمال العام أو الأجنبي وتأثير النفوذ الخارجي والمال السياسي. وهذه الملاحظة تضعف من العملية الديمقراطية والانتخابات الحرة الديمقراطية بأبعاد وطنية صادقة.
تصاعدت في الفترة الأخيرة الخلافات بين المالكي، كرئيس لحزب الدعوة الاسلامي وائتلاف دولة القانون ورئيس للوزراء، وحلفائه من التحالف الوطني من جهة، وكذلك بينه وبين رئاسة اقليم كردستان، وليس آخرها العمليات العسكرية في محافظة الأنبار وتفكيك مخيمات الاعتصام فيها وفي المدن الغربية من العراق. اضافة إلى الخطابات والاتهامات لدول معينة بدعم الارهاب في العراق وتشجيع منظماته المنتشرة في المنطقة الغربية من العراق خصوصا، وعمليات التفجير اليومية على امتداد ارض العراق. وتداخلها مع الوضع المتأزم في سوريا. ومع هذه الجبهات المفتوحة توسعت رقع الاختلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية حول الميزانية العامة. والتمترس بين السلطتين في التأثير على معيشة المواطن وتأخير تنفيذ المشاريع والخدمات المقررة أو الموعودة. وفي الحالين فالتصريحات العلنية بين رئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية تكشف عن وعي الطرفين ومستوى ادائهما لدوريهما في السلطة والبلاد عموما وروحية التنازع والتنافر بينهما وتسابقهما في صناعة الأزمات. حيث أعلن رئيس الوزراء امكانية الصرف من الميزانية الاتحادية، حتى في حال استمرار عدم تصويت مجلس النواب على اقرارها للعام الحالي، خدمة للمصالح الشعبية والموظفين والعاملين في الدولة والمشاريع المؤجلة بانتظارها، دون الالتفات إلى المخالفة الدستورية التي تتبع هذا الفعل، من جانب. واتهامه لرئيس مجلس النواب، النجيفي، واحزاب أخرى، بصورة مباشرة بالعمل على إفشال الحكومة الحالية من خلال تعطيل الموازنة والسعي لانهيار العملية السياسية في العراق، من جهة اخرى. ومن جهة تالية رد النجيفي على هذه التصريحات بمثلها واتهام من يقوم بذلك بالاختلاس وغير ذلك من الاتهامات الاخرى. هذا فضلا عن تبادل الاتهامات الظاهرة والمبطنة حول ما يجري في محافظة الأنبار والفلوجة خصوصا من عمليات عسكرية والصمت أو غض النظر عن تمكن جماعات متطرفة من العبث بالأمن والاستقرار في المنطقة وتشكيل مسميات مختلفة من بينها الدولة الاسلامية في العراق والشام/ داعش وغيرها واحتلالها لمدن وتحكمها بشؤون سكانها. وتضخيم أخبار وأرقام تصب في خدمة طرف ضد طرف اخر أو هكذا يتخيل لمن يتصدى لذلك وتصبح بالتالي معزوفة تردد وتستخدم في تشويه العلاقات وحفر خنادق كراهية وتأزم سياسي واجتماعي بين المكونات والفئات الاجتماعية والمناطقية. ولا يشك أحد في أن هذه التنازعات لا تمثل السلطتين بقدر من يترأسها، والدوافع السلبية التي تقودهما في الدعاية الانتخابية أو الفوز في سباق الانتخابات أو ارسال رسائل لعناوين يعتمدان عليها، لا تعبر عن المصالح الوطنية في كل الاحوال.
كما ان علاقات الحكومة العراقية ورئيسها مع دول الجوار العربي والاسلامي تعاني في كثير من وجوهها. لاسيما في قضايا الارهاب ومصادر دعمه وتوفير امكانات لانتشاره وتصاعده.
كانت هذه النقاط المتعددة في التصعيد السياسي قبل فترة الانتخابات تشكل جزءا من طبيعة تلك الفترة، وقد تضع الأمور فيها أمام تعقيدات وردود افعال متضاربة، قد لا تكون في صالح التيارات والتحالفات الانتخابية التي تمارس مثل هذه القضايا وتتفاعل داخل الازمات. أو قد تستخدمها وبقوة لإثبات قدراتها على التأثير على الاوضاع والانتخابات منها. كما قد تعبر عنها بأساليبها هذه لفرض اجنداتها فيما بعد الانتخابات وتهدد بها، وتصبح في كل الأحوال معضلات صعبة أمام التغيير أو التجديد في المشهد السياسي. كما تعمل على محاولات لتاليه القيادات، من جهة، وشخصنة الاختلافات وتشويه اصحابها بما يتعارض مع روح او خطوات المشاركة في العملية السياسية، من جهة اخرى.
تشكل الانتخابات القادمة فرصة للبعض ومعبرا لتحولات سياسية تضع العراق أمام مفترق طرق. فالمالكي يصر على الفوز بولاية ثالثة، وتنشط كتلته الانتخابية على تجديد رئاسته لدورة أخرى. وقد تشكلت قوائم صغيرة وأخرى متوسطة في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالي مدعومة منه وتحسب عليه. كما انضمت احزاب وشخصيات سياسية متنوعة المرجعيات أو التوجهات السياسية إلى ائتلافه مما يوفر له حضورا فاعلا في دائرة التنافس في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب. كما يعول المالكي على التصويت الخاص للقوات المسلحة التي يخضع الناخب فيها لتأثيرات القيادات العسكرية ذات الولاء للمالكي. بينما الكتل والكيانات الاخرى، سواء من داخل التحالف الوطني كالتيار الصدري او المجلس الاسلامي الأعلى والكتل المنافسة اساسا له لا ترغب بذلك وتصرح ضده. وهو الحال ذاته الذي تريده انشطارات القائمة العراقية وائتلافاتها الجديدة. وتستثمر الكتل الكردية نهايات الصراعات وقد تدفعها التناقضات إلى التوحد فيما بينها والتوجه الى تسريع قرارها في الانفصال او التهديد به من قبلها جميعا او من بعضها مما يسعى اليه. ورغم ان النظام الانتخابي باعتماده طريقة سانت ليغو المعدلة، التي تشجع على تعدد القوائم، وتوزيع المقاعد بشكل واسع، الأمر الذي سيكون في غاية الصعوبة على قائمة واحدة او ائتلاف واحد الحصول على غالبية برلمانية، ويترك اثره على تشكيل الحكومة الجديدة ويجعلها عملية صعبة قد تستغرق كثيرا من الوقت، وبالتالي تطيل فترة حكومة المالكي لما بعد الانتخابات، في كل الاحتمالات.
تتوازى الصراعات بين الائتلافات الانتخابية وترشح تصاعدها فترة الانتخابات. والمعروف الآن أن المالكي يستخدم كل الامكانيات التي لديه لهدفه الرئيس. لاسيما استثمار التفاعلات القائمة او المستجدة التي يحرك بعضها هو أو من يتعامل معه من قوى وأحزاب ومنظمات. ولعل الصراع المستمر بينه ورئيس السلطة التشريعية واتهامات كل طرف للآخر بالاستحواذ أو الاستئثار بالسلطات والتأثير عليها او التهديد لها خبر معبر عن طبيعة الصراعات ومحمولاتها الطائفية وانعكاساتها على ممارسات العنف والتهدئة في الشارع العراقي. ومثله تستفيد القيادات والرؤساء من وسائل الاعلام المختلفة والاتصال الاجتماعي وغيرها في ترويج او تأجيج الاجندات لها.
تؤشر احتمالات واستبيانات ونقاط سجلها المالكي من خلال ممارساته وخطاباته وأعماله في الفترة الاخيرة بإعادة التجديد له، ولكن في حالة عدمه فان المالكي من خلال خبرته الان سيعمل على ان يكون قوة مؤثرة في العملية السياسية، في البرلمان والحكومة القادمة. حيث يمكنه ان يطيل في عمر حكومته وتعسير تشكيل حكومة جديدة واستغلال كل الامكانات التي بيديه لخدمة مخططاته. وهنا ستكون العملية الديمقراطية في خطر فعلي. ففي السنوات التي مرت على العراق ظلت العملية الديمقراطية متعرجة وتحبو في مسيرة لم تتلمس خطواتها بجدية وتبني حجرها وسلمها التصاعدي. وظلت القوى المستفيدة منها هي الأعلى صوتا بينما الصراخ عن تعثرها أو تعرجها صوت المشاركين فيها دون تأثير كبير فيها، وأحيانا العمل ضدها.
ان الخشية من التدهور الأمني كرد فعل على تعثر العملية الديمقراطية وعدم الحصول على المكاسب الموعودة أو المنتظرة، وغض الطرف عن الارهاب والعنف المستشري من قبل القوى السياسية يعقد مسار العملية الديمقراطية في العراق ويضيف صعوبات مباشرة على انجاح التجربة في بلد كالعراق وفي المنطقة عموما. الأمر الذي قد يجعل حظوظ أي زعيم سياسي غير متوازنة مع مصالح ومطالب العملية السياسية والشعب والبلاد. إلا ان مؤشرات الحل والاستقرار هي في تعزيز الوحدة الوطنية وترشيد التنمية والحكم والاقتصاد الوطني وتمكين المرأة وتطوير كل ما يجمع بين القوى المشاركة الآن جميعا، بمختلف انتماءاتها وألوانها السياسية، وتركيبتها القومية او الدينية/ الطائفية، العربية والكردية والتركمانية والكلدانية والارمنية، الاسلامية والمسيحية والصابئية وغيرها، واي محاولة للخروج عليها تفتح من جديد أبواب صندوق باندورا العراقي.
وتظل القوى الكردستانية، من بين القوى الفاعلة في المشهد السياسي، مطالبة بان تلعب دورا بناء ومعززا للوحدة الوطنية وتتفاعل فيها دون ان تبقى مراقبة لما يحصل، سواء في الانتخابات أو في علاقاتها البينية بين الأطراف الأخرى، وما يصدر عنها الآن يشي بان خطواتها نحو الانفصال والاستقلال عن العراق قائمة أو قد تتطور بخطى سريعة، من خلال تصريحات رسمية أو كتابات مسربة من ادارتها الرسمية والحزبية. وهذا قد يعقد المشهد أو يزيده اشتعالا غير مضمون في تحديد المعضلات أو تبريدها سياسيا على الأقل. ويضع العراق كبلد متعدد الاعراق والطوائف أمام اختبارات صعبة، وخطط تقسيم وتفتيت مرسومة سابقا أو نوايا مطلوبة لأسباب ومشاريع معروفة.
كما لا بد من النظر إلى المؤثرات الأخرى، المرجعيات الدينية ومنظمات المجتمع الاهلي وغيرها، التي تحاول المشاركة العملية بالنأي بنفسها عن التعيين والتحديد وترك الخيار للناخب نفسه. والحديث بهذا الاتجاه، إلا ان الصورة الظاهرة لا تعدم وجود مؤثرات متنوعة منها. او تداعيات معينة لها وقعها في المشهد السياسي.
كما أن المالكي بحكم وجوده الرسمي على رأس السلطة التنفيذية وقيادة القوات المسلحة واحتكاره مناصب الوزارات الأمنية يستطيع التأثير بأشكال متعددة على مجريات الانتخابات، من ضمنها مثلا تأجيلها كاملة أو في بعض المناطق التي تشهد صراعات ساخنة الآن ولها تعبيراتها في المشهد السياسي وغير ذلك، وهذه تعرقل النتائج الكاملة وتشكيل الحكومة والبرلمان الجديد في حالة حصولها. إلا أن الظاهر لحد الآن ان الانتخابات ستجري في موعدها وان التحضيرات لها قائمة على قدم وساق. مع اعتراض بعض التدخلات أو الضغوط عليها، وتنافس الرؤساء على الضغط باتجاهات معينة لمصالح انتخابية أكثر مما هي تطبيقات لمسيرة ديمقراطية تنمو وتتقدم في بلد نام، وتجربة وليدة بإشراف دولي.
مستقبل العملية السياسية والانتخابات
يجري الحديث عن أن هذه الانتخابات ستكون مفصلية في مستقبل العملية السياسية الجارية في العراق، والتي استندت على نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، والتي ستستمر أيضا ولكن بدروس جديدة من التجربة الماضية. لاسيما في مسائل توزيع السلطات والتكليفات بها، وإعادة الاعتبار للدستور والعمل على اعادة النظر في فقرات منه يشكو الجميع منها. كما أن هناك تصورات وتوقعات في حالة عودة المالكي أو التجديد له، بتشكيل حكومة أغلبية سياسية وعدم تكرار تجربة حكومة المشاركة التي كان أغلب اعضائها يمارسون نشاطاتهم في الحكومة والمعارضة في آن واحد وتحت مسمى المشاركة السياسية. كما يتوقع بشأن الأوضاع الأمنية استمرار ضرب الاستقرار والعنف، وان مخاضات عمليات الارهاب والدول الداعمة له لن تترك للمالكي الراحة التامة بعد كل التحشيد الأمني والإعلامي ضده وضد حزبه وائتلافه. إلا ان مقومات العملية السياسية والدول الراعية لها، كما هو ملاحظ برسالة بايدن والموقف الايراني وكثير من الكتاب والمحللين السياسيين في العراق أو في العواصم المؤثرة في القرار السياسي العراقي ستصب جهودها في محاولة بناء التجربة والاستقرار في العراق. إن اعادة النظر في طريقة ادارة الدولة وتكليف ممثل/ رئيس الاغلبية الانتخابية بتشكيل الحكومة وبرضا الجميع أو بالتوافق السياسي بين المكونات وتحول الكتل الأخرى الى المعارضة البرلمانية ربما سيوفر مناخا افضل. وكذلك التوزيع الجديد للرئاسات والمواقع السيادية بالتوافق دون تشنجات او ابتزاز واستفزاز يدعم مكانة العراق واستقراره ووحدة اراضيه.
هناك اراء تقول ان رئاسة الجمهورية اذا سلمت الى ممثل عربي من المكون السني الحاصل على نسبة كبيرة في البرلمان سيخفف من تهديدات العنف التي تبرز بين فترة وأخرى ويرد على الأصوات المدعية بأفكار التهميش والإقصاء والإبعاد والغلبة للآخر، ويحث الجهات الداعمة او الراعية لها بالتراجع عن التدخلات المباشرة. كما أن بقاء المكون الكردي والكردستاني معه في تركيب الدولة الاتحادية واستلام مناصب أخرى غير التي وضعت له أو وزعت سابقا بدون تسطيرها كقواعد قانونية يوفر ايضا مجالا واسعا للعملية الديمقراطية والسياسية في العراق.
تبقى مسألة اساسية في العملية الانتخابية وما تتضمنه بما يتعلق حول البرامج الانتخابية والمرشحين موضوعا مطروحا بقوة في العملية السياسية ومحاسبة المقصرين ومحاربة الفساد الاداري والسياسي والعمل المشترك في بناء دولة مدنية بمشروع وطني حقيقي يحترم قواعد عمله والعلاقات الدولية ويؤثر في صناعة بيئة آمنة ومستقرة في المنطقة والعالم. ويفرض نفسه لاعبا قادرا على تطبيق مشاريعه البناءة وتوافقه الوطني وقدرات وطاقات شعبه.
فالمعروف إلى اليوم أن اغلب الائتلافات أو الكيانات السياسية لا تملك برنامجا واضحا ومفيدا لإدارة الدولة العراقية. ولم تضع نصب أعينها العمل على مأسسة الدولة واحترام القانون والمواطنة وتقدير السلطات والتعايش أو الفصل بينها ونبذ الطائفية والتطرف والمحسوبية، ولا تقدر طبيعة المشاركة أو التداول السياسي. والتجربة الماضية لها لا تفتح نافذة للأمل في التغيير والتجديد والتحديث سريعا. لاسيما في العلاقات البينية بين القوى السياسية أو السلطات ومعرفة كل منها بصلاحياتها ومجالات عملها وفق الدستور والقوانين المعلنة لكل منها.
رغم الاعداد الكبيرة في المرشحين والذين يحق لهم الانتخاب والكيانات والائتلافات الانتخابية تظل الأغلبية من المواطنين في المنطقة الرمادية بسبب ما سبق ذكره من صراعات ومعوقات وثقافة غير كافية عن مفهوم العملية الديمقراطية، فضلا عن المؤثرات التقليدية في الاختيار والإرادة. كما ان اختيار رئيس وزراء بأغلبية برلمانية سياسية وإعادة النظر في انتخاب او تكليف الرئاسات للسلطات ومواد الدستور والانطلاق بمشروع وطني ديمقراطي فعلا قد يفتح للعراق فرصة جديدة إلى الأمام.
 الاستقطاب الديني/ الطائفي والقوماني واضح في المشهد السياسي العراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.