الترفيه عادة مجتمعية يمارسها البشر بطرق مختلفة، تبعا لعادات وثقافة كل شعب. وقد كان أسلافنا -ورغم قسوة ظروفهم الحياتية- إلا أن محاولة الترويح عن النفوس تلازمهم في مكان عملهم بالأهازيج الحماسية، وفي مناسباتهم بالرقصات الشعبية والأشعار التي تناسب كل تجمع. وفي الحياة العامة تجد الصبيان يتنافسون بألعابهم التقليدية التي يتوارثونها، ويجدون فيها متعة وترفيها في حدود عادات وتقاليد محيطهم. فيما الكبار لهم ما يناسب مرحلتهم العمرية من مساحة تتيح لهم الابتعاد قليلا عن متاعب الحياة وهمومها؛ كسباق الخيل والإبل، وتجمّعهم مساء لسماع الحكايات والقصص التي يرويها كبار السن، كل هذه ممارسات طبيعية تبعث السرور والفرح، ولا تتجاوز المألوف الذي تربى عليه جيل ذلك الزمان. حقيقة الترفيه مطلب إنساني لا يختلف عليه اثنان؛ لأن النفس البشرية يصيبها الضجر والملل، إذا لم تغير نمط العمل اليومي بشيء يضفي انشراح الصدر، ويعيد الحيوية إلى العقل بعد تشابك المشكلات وتعقيدها، لكن هذا الترفيه تحكمه ضوابط، بحكم أننا أمة مسلمة، تتبع ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ما يعني أن أي نشاط ترفيهي لا بد أن يكون متوافقا مع ديننا أولا، ثم لا يصادم عادات وتقاليد شعبنا الأصيل، وهذان الأمران هما صمام الأمان لبقاء مجتمعنا محافظا على النهج السليم، ومتى ما تم الإخلال بأي منهما، فإن مصير المجتمع بلا شك الانزلاق نحو هاوية الانحلال الديني والخلقي؛ الذي نرى معطياته في كل بقاع الدنيا. نحن نعلم أننا أمة وسط؛ ومع ذلك نعاني من فئتين: واحدة تود التطرف نحو اليمين، والأخرى تضادها بالتطرف نحو اليسار. فالأولى لا ترغب في رؤية مظاهر الفرح حتى في المناسبات السعيدة كالزواج مثلا، والثانية تريد ترك الحبل على الغارب، بل تريد استيراد الترفيه من أي مكان بغض النظر عما إذا كان يناسب مجتمعنا أو لا يناسبه، وكلتا الفئتين تُغفل الوسطية وحاجة المجتمع إلى الترفيه بطريقة بريئة، وصناعة محلية اعتاد عليها السابقون من الأجداد؛ بمفهوم بديع لم يجابه الدين أو العادات أو الثقافة السائدة. خلاصة القول، لا نود ترفيها يُفرض على المجتمع قسرا، ويخلق بلبلة وعراكا فكريا يشغل أبناء الوطن دون نتيجة، علينا خلق ترفيه يستند إلى تراثنا، وأظنه يكفينا عن جلب تجارب خارجية لا علاقة لنا بها. علينا أن نفكر ونبدع مثل غيرنا في إيجاد وسائل ترفيهية ونشاطات متنوعة تكون في قلب الحي السكني؛ كي يرتادها الصغير والكبير من الجنسين، وتوفر لكل فئة ما يناسبها، لنبدأ بالحي الذي يفتقر إلى أبسط مقومات الترفيه، ثم نتوسع لنكوّن منظومة ترفيهية تغني المواطن عن الذهاب إلى الدول الأخرى بحثا عن الترفيه والترويح عن النفس. فالترفيه مشروع جميل، لكن أخاف أن يتمزق بين الفئتين، أو تختطفه واحدة فتخرجه عن مساره الصحيح.