الترفيه والترويح عن النفس والاحتفال بالمناسبات والفرح فيها هو سلوك إنساني عام يتساوى ويتشارك فيه جميع البشر في شتى أصقاع الأرض في الماضي والحاضر، ولا توجد لشعب من الشعوب خصوصية ثقافية أو اجتماعية أو غير ذلك، هو مستثنى من ذلك، فالترفيه والترويح عموماً ضرورة من ضرورات الحياة، ولا يمكن الاستغناء عن هذه الفعالية في حياتنا اليومية، ثمة كلمة في مجتمعنا السعودي تتردد في شكل معتاد من الأطفال والشبان والبنات بمختلف ميولهم وأعمارهم «طفش.. ملل.. »، وتتكرر تبعاً لتلك الحال، التساؤل الدائم في البيوت أو بين الأصدقاء، أين سنذهب؟ أو ماذا سنفعل في هذا اليوم أو الليلة؟ إذ نجد أن غالبية الأسر في المجتمع كذلك تعاني من حال الملل و«الطفش» التي تنتابها، وذلك لأنها تفتقد إلى أبسط مقومات الترفيه، فأماكن الترفيه شبه معدومة، وإن وجد ما يمكن تسميته بأماكن للترفيه فهي في حقيقتها معدومة من محتوى الترفيه الحقيقي، أضف إلى ذلك كوننا نحتل أعلى مراتب دول العالم نسبة في عدد الشبان (الذكور والإناث) من مجمل أعداد السكان، إلا أن هذه النسبة الكبيرة لم تولَ اهتماماً من مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، من جانب توفير «المتنفس» الذي يتوافق، ويتناسب مع مراحلهم العمرية وميولهم الترفيهية، فلو فكرت الأسرة أو الأصدقاء في ما بينهم في كيفية الترويح عن أنفسهم في الإجازات الأسبوعية والأعياد وغيرها من الأوقات، واستمرت تبحث وتتساءل عن المكان المناسب من أجل ذلك، فلن يكون أمام الجميع سوى خيارين في الغالب، إما الذهاب إلى المجمعات التجارية والمشي ذهاباً وإياباً، والتسوق فيها من أجل القضاء على حال «الطفش» أو الذهاب إلى المقاهي والمطاعم من أجل الأكل فيها، ويظل هذا الروتين يتكرر في كل يوم نريد أن نروح عن أنفسنا به، وحتى حينما تبذل بعض الجهود في محاولات لتقديم برامج ترفيهية وسياحية، على رغم قالبها التقليدي ومقدار بساطتها ومحدوديتها، فهي لا تكاد تخلو من منغصات من المعترضين على ثقافة الترفيه والاستجمام والترويح الذين لن يدعوا أو يقولوا أنهم ضد مظاهر الفرح والترفيه أو الترويح عن النفس، فهم لا يقدمون أو يطرحون أنفسهم بهذه الصورة التي لا يمكن لأحد قبولها، وإنما يسلكون الطرق الملتوية لمقاومة طرق ووسائل الترفيه، بحيث يتم تفريغها من محتواها، وتحويلها إلى مجرد أسماء بلا مضمون أو حقيقة، بدءاً من الاعتراض على وجود صوت موسيقى في مكان ما، وانتهاءً بالإنكار على وجود اختلاط بين الرجال والنساء، وليست هذه حكايتنا هنا. إن هذا الوضع الممل يجعل الملجأ والحل لهذه المشكلة لدى الكثير هو في السفر إلى دول مجاورة وقريبة منا، نتشارك معها في العادات والتقاليد، لكنها تتميز بتنوع مهول وخيارات كثيرة من وسائل وأماكن الترفيه فيها، كل بحسب قدراته وإمكاناته، إذ تمارس الأسر فيها حياتهم الترفيهية طبيعياً، فيستمتع الصغار والكبار، وليقضوا أوقاتاً ممتعة، لكن ما أن يعود الجميع إلى أدراجهم إلا وتجد الأسر أن كل من في البيت بدأ يرفع صوتاً من جديد «طفشانين.. طفشانين»! ولا حاجة بنا إلى التطرق لتفاصيل أرقام وحجم الإنفاق السياحي المهول الذي ننفقه في الخارج طوال العام، والبالغ قرابة 40 بليون ريال، إننا في بلدنا نمتلك مساحات شاسعة لأكثر من مليوني كيلومتر مربع، لكننا لا نمتلك حتى مدينة ترفيهية سياحية متكاملة الخدمات والمرافق، ونمتلك 1300 جزيرة على سواحلنا، ولا شيء يذكر مطلقاً في الاستفادة منها سياحياً، المجتمع يحلم أن يتحقق حلمه في يوم من الأيام، وذلك بوجود مواقع ترفيهية تتوفر فيها الأسواق، وأماكن عامة مفتوحة للجلوس فيها، وكذلك ملحقاتها من دور للسينما ومسارح وأنشطة فنية ورياضات مختلفة، كتلك التي يقصدها السعوديون في زياراتهم المتكررة إلى «دبي»، ويحلمون بشواطئ بحرية متكاملة الخدمات ومرسى لليخوت، أليس من حقنا جميعاً أن نعيش في مجتمع متكامل تتنوع فيه أدوات ووسائل الترفيه، بدلاً من أن نسعى ونبحث عنها من هنا وهناك؟ فشرائح اجتماعية كبرى في مجتمعنا مختلفة المستويات المادية باتت تتطلع إلى واقع اجتماعي أكثر انفتاحاً وتسامحاً وتصالحاً مع حاجاتهم الإنسانية التي منها «الترفيه». * كاتب سعودي. [email protected] @hasansalm