باتت مسألة تمويل حزب الله وتتبع الأنشطة التي يجني من ورائها الأموال، والأسماء التجارية والاقتصادية التي يتخفى وراءها، قضية مهمة تشغل صُنّاع القرار في الولاياتالمتحدة وسائر الدول الكبرى، ودول منطقة الخليج العربي، لا سيما بعد تنامي القدرات العسكرية للحزب. وتلقى الحزب الذي كان يولي اهتماما كبيرا لإدارة أنشطته في دول الخليج العربي ضربات موجعة، بعد تصنيفه حزبا إرهابيا، وملاحقة الكيانات والشركات المرتبطة به، وطرد جميع العناصر المتعاونة معه، ورغم أن الحزب أبدى عدم اهتمام في البداية بتلك الإجراءات، إلا أن قياديين فيه كشفوا عن تعقد وضعه المالي. وبمجرد صدور القرار الأميركي بإغلاق كل الحسابات البنكية للعناصر المنتمية إلى حزب الله والمتعاملة معه اقتصاديا، وتجميد أرصدتهم في البنوك الغربية، سارع أمين عام الحزب، حسن نصر الله إلى الاستهزاء بالقرار، زاعما أنه يفتقد إلى أي تأثير حقيقي على أرض الواقع، وقال في خطاب تليفزيوني "فلوسنا تأتي من إيران، ولن نتأثر بهذه العقوبات، وطالما هناك فلوس في إيران فستصلنا حصتنا كاملة، كما تصلنا الصواريخ التي نهدد بها إسرائيل". وهي التصريحات التي حاول حزب الله أن يصرف بها الأنظار عن أنشطته الحقيقية التي يمول بها حزبه، إضافة إلى الدعم الإيراني، بطبيعة الحال. ونشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى مقالا للباحث ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب، ماثيو ليفيت، تعرض فيه إلى الطرق التي يتبعها الحزب لجني الأموال في القارات الخمس، لا سيما أميركا اللاتينية، وتجنيده مؤسسات اقتصادية في تلك الدول لأجل غسل أمواله، واتهم تلك المؤسسات بالغباء، بسبب تحصيلها نسبة زهيدة مقابل أموال طائلة يجنيها الحزب. أنشطة إجرامية متعددة يقول ليفيت "تنتشر مؤسسات حزب الله الإجرامية في الوقت الحالي، بعضها رسمي، والآخر غير رسمي، في جميع أنحاء العالم، وتعمل في مجالات متعددة، مثل الاتجار بالبشر، وتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة في البلقان، وتوفير جوازات سفر مزورة في جنوب غرب آسيا، مرورا بالاتجار بالسلع المسروقة، وغسل الأموال في أميركا الجنوبية، وتشغيل منظمات ومصارف فاسدة في إفريقيا، ويشرف على تلك الأنشطة المعقدة بشكل مباشر عدد من القيادات البارزة في الحزب، وأشخاص آخرون تلقوا تدريبات عسكرية يرتبطون مباشرة بالقيادات العليا، منهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله. وفي بعض الأحيان، تتكشف خيوط تقود إلى تلك القيادات، على غرار ما حدث عام 2009، عندما كشفت مصلحة تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية عن سلسلة من المخططات الإجرامية للحزب في الولاياتالمتحدة، راوحت بين أجهزة الكمبيوتر المحمولة المسروقة، وجوازات السفر، وبيع العملات المزورة، وشراء الأسلحة، وهي التحقيقات التي كشفت عن تورط ممثل حزب الله في إيران، عبدالله صفي الدين، ابن عم نصر الله.
فساد القيادات المذهبية أضاف ليفيت، أن القيادات العليا في الحزب تقف بصورة مباشرة وراء تلك الأنشطة غير القانونية، وقال "دلّ اتباع الخيوط الهشة في كثير من الحالات الأخيرة، وبصورة مباشرة إلى صفي الدين، إذ وجد المحقق الجنائي في الأممالمتحدة أن صفي الدين المقرب جدا من نصر الله يُعدّ أحد أهم رجال المال في الحزب الله، فيما يتردد اسم شقيقه هاشم في بعض الأحيان خليفة محتملا لنصر الله. وفي الآونة الأخيرة، تحوّل النشاط الإجرامي للحزب بعيدا عن الجرائم الصغيرة التي يرتكبها المتعاطفون. وحاليا، يسعى إلى الاستفادة من خدمات الشبكات الإجرامية المنظمة، لتسهيل دخوله في المشاريع الإجرامية المنظمة الواسعة النطاق. وتجد سلطات إنفاذ القانون حالات متعددة يتصرّف فيها أعضاء التنظيمات الإجرامية كوسطاء لتمرير مجموعة واسعة جدا من الجرائم والعملاء، بدءا من المخدرات وصولا إلى مبيعات السيارات المستعملة الدولية، ومن غسل الأموال إلى شركات مشتريات وهمية.
ملاحقة أمنية متشددة يضرب ليفيت مثلا على ما ذكره أعلاه بالتفاصيل المدهشة التي برزت في قضية فساد البنك اللبناني الكندي، أوائل عام 2011، إذ تم اكتشاف أن أحد قيادات الحزب المالية، ويدعى أيمن جمعة، هو من كبار المتورطين في قضايا تجارة المخدرات، ومسؤول عن غسل ما يصل إلى 200 مليون دولار شهريا، خلال البنك وقنوات أخرى مرتبطة بحزب الله. وفي الشهر التالي، صنّفت وزارة الخزانة الأميركية البنك اللبناني الكندي كمشروع أساسي فيما يتعلق بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب، بموجب "المادة 311" من القانون الوطني للولايات المتحدة، مما أدى عمليا إلى إغلاق البنك. ولكن بعد عدة أشهر، وفي ديسمبر 2011، كشفت السلطات الأميركية النقاب عن إجراء مصادرة لبعض أصول البنك بقيمة 483 مليون دولار، ومنذ ذلك الوقت، قام المحققون في مختلف أنحاء العالم بتعقب خيوط المعلومات المتعلقة بقضية البنك، من الولاياتالمتحدة إلى أوروبا، وأستراليا، وإفريقيا، وأميركا الجنوبية، وإلقائهم القبض ليس فقط على تشكيلات متنوعة من تجار المخدرات، بل أيضا على غاسلي أموال لهم صلات مع كبار شخصيات حزب الله، أمثال صفي الدين. تهديد الأمن العالمي تابع ليفيت بالقول "أصبح التحدي الذي يشكِّله حزب الله عالمي الطابع. وناقشنا في هذا الاستعراض الموجز العمليات الإجرامية في القارات الخمس، وتشمل عمليات إرهابية في قبرص، والفلبين، وعلى طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية؛ وغسل الأموال في منطقة الحدود الثلاثية، وولاية كارولينا الشمالية، وبلجيكا، وسيراليون، وبلدان أخرى كثيرة؛ وتهريب المخدرات والممنوعات الأخرى في كندا، وكولومبيا، وألمانيا، وإفريقيا، على سبيل المثال لا الحصر؛ وشنّ الحرب في سورية بالنيابة عن نظام الأسد الوحشي. إن الدرس الذي يجب استخلاصه هنا، هو أن تهديد هذا الحزب تطوّر ولم يعد محدود النطاق للسياسة في الشرق الأوسط، ولا بد من الاعتراف بهذا التهديد في كل مكان يظهر فيه، وتحديه على نطاق عالمي. ولم يعد من الممكن اعتباره أداة إيرانية ومنظمة إرهابية فحسب، بل أصبح يشكل حاليا قوة عسكرية كبيرة، ومنظمة إرهابية قاتلة على مستوى العالم، وشبكة معقدة للإجرام وغسل الأموال. ومن أجل إحباط عملياته المعادية للولايات المتحدة وللغرب، بشكل فعال، ينبغي فهم كيفية تطوّر الحزب على مدى العقود الثلاثة منذ إنشائه بشكل أكثر دقة بكثير.
الاستفادة من السذج يستطرد ليفيت في تحديد الوسائل التي اتبعتها الولاياتالمتحدة في مطاردة وتعقب العناصر المرتبطة بتمويل حزب الله، قائلا "تابع المحققون كثيرا من القضايا المتعلقة بالحزب، بحيث لم تعد الجماعة قادرة على ادعاء تجاهلها، ووصلت أخبارها إلى الصحف العالمية. ففي ديسمبر 2015، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن المسؤولين الأميركيين يعملون بشكل وثيق مع نظرائهم الأوروبيين لإحباط شبكة المنظمة الدولية. وأوردت الصحيفة قضية مواطن أميركي اشتُبه بأنه يقوم بتبييض الأموال في كولومبيا، وله صلات بحزب الله، وكذلك آخرون اعتقلوا في ليتوانيا، وفرنسا، والولاياتالمتحدة؛ ونقلت عن مسؤولين أميركيين كيف يستخدم الحزب مجموعة متنوعة من الوسائل لجني الأموال النقدية، ونقلها، وإخفائها، بمساعدة وسطاء سذج لا يتلقون في العادة سوى عمولات زهيدة، بينما يستأثر الحزب بالأموال الطائلة".
تنسيق جهود المكافحة يختم ماثيو مقاله بالقول، إن تعدد نشاط الحزب وتوسع شبكته الإجرامية، ومؤسساته الاقتصادية التي يمول عن طريقها عملياته وبرامجه الإجرامية، تتطلب عملا أكثر دقة وشمولا، بحيث تتشارك كل الدول المعنية في تبادل المعلومات المتاحة، وأضاف "كما تحذر إستراتيجية البيت الأبيض لمكافحة الجريمة المنظمة، تشارك الشبكات غير المشروعة نقاط التقاء أساسية، خاصة ما يتعلق بالأشخاص، أو الأماكن، أو المنظمات التي تغسل أموالها؛ وهذه الشبكات من مختلف الأنواع، كتجار المخدرات، والأسلحة، والجماعات الإرهابية، وأكثر من ذلك. وفي حالة حزب الله، يشكِّل الميسّرون والوسطاء نقاط التقاء جذابة، بسبب قدرتهم على التحرك بسرعة وكفاءة، وغسل تدفقات هائلة من الأموال غير المشروعة. ولهؤلاء بعض الصلات بالجماعة، وبعضهم مجرد وسطاء إجراميين. ولكنّهم أيضا نقطة الضعف للحزب، ويكشفون النقاب عن مجموعة تُقدّم نفسها على أنها مقاومة نبيلة، وتظهر كيف أصبحت منظمة إجرامية. وهو ما يجعل حزب الله في مواجهة مشكلة شرعية شعبية في بلاده، ويكشف الجماعة أمام تدقيق إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم.
تاريخ إجرامي عريق أبها: الوطن كشفت كثير من الدول الغربية عن ضبط شبكات إجرامية تابعة لحزب الله، تعمل في تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات، إضافة إلى مجالات محظورة أخرى مثل غسل الأموال. 2006 الولاياتالمتحدة تدرج صبحي فياض، في لائحة الإرهاب لدوره في تجارة المخدرات لمصلحة حزب الله 2008 أميركا توقف فادي بيضون في مطار ميامي لعلاقته بصناعة الكوكايين لمصلحة حزب الله 2009 هولندا تعلن تفكيك شبكة من 17 شخصا لتجارة المخدرات اعترفت بعلاقتها بحزب الله 2010 ألمانيا تؤكد ضبط 3 أشخاص على صلة بحزب الله، يمثلون شبكة لغسل الأموال 2011 أكد تقرير نشرته مجلة ديرشبيجل الألمانية، أن تاجر مخدرات كولومبي اعترف بعلاقته بحزب الله فرنسا تعلن ضبط عصابة إجرامية دولية لغسل الأموال اعترف أعضاؤها بعلاقتهم بحزب الله 2012 مجلس النواب الأميركي يعلن أن %30 من دخل حزب الله ناتج عن تجارة الكوكايين في أميركا اللاتينية
2015 الكونجرس يدرج حزب الله "منظمة دولية إجرامية عابرة للحدود" بسبب تجارة المخدرات 2016 الجامعة العربية ومنظمة التعاون تعلنان حزب الله منظمة إرهابية وتجرمان التعامل معه
أنشطة الحزب الإجرامية تجارة المخدرات الاتجار بالبشر غسل الأموال تجارة السلاح فساد الأنظمة الحكومية الاتجار بالسلع المسروقة الفساد المصرفي صفقات مشبوهة تزوير الجوازات