على إيقاع الأمطار الغزيرة وأصوات السيول المنسكبة من أعالي جبال جازان الشاهقة، تمتد سواعد مجدولة بالعطاء لتغرس الحياة لها على أرض تعبق برائحة المطر، وهناك بين هدير البنادق ودوي المدافع، تمتد سواعد الأبطال الذين يتسابقون إلى الموت في سبيل الله والدفاع عن وطنهم الغالي ومقدساته، وهم يتصدون للرصاص بصدورهم، مقبلين غير مدبرين لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يقايضون بحفنة من تراب أرضهم التي باتت تفاخر بهم وتتباهى بأبطالها ولسان حالها يتغنى ببطولاتهم في ميادين العز والشرف. هذا المشهد الذي رصده فريق وعدسات "الوطن" خلال جولتهم صباح أمس، على الشريط الحدودي بمنطقة جازانجنوب المملكة وبالتحديد في الخطوط الأمامية التي يقف بها أفراد وحدات المظليين وقوات الأمن الخاصة للقوات البرية التي تشكل صمام أمان وحاجزا منيعا في وجه العدو منذ الساعة الأولى لعمليات عاصفة الحزم. جاهزية كاملة حققت قوات الأمن الخاصة نجاحا ملموسا في حماية الحدود، معتمدة في ذلك على جاهزيتها الفائقة وتزويدهم بأحدث الأسلحة والآليات والعربات وأجهزة المراقبة الرقمية والكاميرات الحرارية، إضافة إلى مهارة أفرادها وبراعتهم التي تمكنهم من تنفيذ مهامهم القتالية في أسرع وقت، والتي اكتسبوها من التدريبات المستمرة التي تعتمد بالدرجة الأولى على قوة التحمل ومواجهة الصعاب والاستعداد الدائم للعمل تحت مختلف الظروف والبيئات، فضلا عن قدراتهم الجسمية والذهنية التي تساعدهم في سرعة الاستجابة وخفة الحركة وتنفيذ مهام عدة.
ملاحم بطولية القوة المدربة والمجهزة بأحدث التجهيزات مع بقية عناصر القوات البرية والمسلحة وقوات التحالف، جعلت منها قوة استراتيجية قادرة على حسم المعارك والمواجهات العنيفة ضد الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع علي صالح التي شهدتها الحدود الجنوبية، وانتهت بفشل العدو وقتل المئات منهم ممن تمادوا في اعتداءاتهم وحاولوا التسلل إلى الأراضي السعودية وتهديد أمنها وزعزعة استقرارها، ونجحت في التصدي لهجمات العدو الغادرة طيلة أيام الحرب. ولا تكاد ميادين البطولات والشرف أن تغفل عن ذكر أحد من الجنود البواسل، ولم يعد ينقصهم شيئا سوى الشهادة حتى يخلدهم التاريخ بمداد من ذهب.
معنويات مرتفعة ثمن أفراد القوات الخاصة ومنسوبو القوات البرية والمسلحة المكرمة الملكية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين بصرف راتب شهر للمشاركين في عمليتي عاصفة الحزم وإعادة الأمل، والتي كان لها أثر بليغ في بث روح الحماس في نفوسهم ورفع معنوياتهم وضاعفت من عزيمتهم وإصرارهم على قهر العدو والنيل منه، هذا ما أكده أحد القادة من خلال ما لمسه في نفوس أفراده. وعبر العديد من أفراد القوات الخاصة عن رغبتهم في توجيه رسالة إلى أهاليهم والشعب السعودي يطمئنونهم فيها ويؤكدون أنهم بخير، وجاءت مجمل هذه الرسائل مختصرة على لسان أحد الضباط قائلا "أوجه رسالتي إلى أهالينا وشعبنا، ما دمتم بخير وأمان فنحن بخير وروحنا المعنوية في الخطوط الأمامية مرتفعة ولله الحمد وحدودنا عصية على كل من تسول له نفسه الاقتراب منها، ونشكر خادم الحرمين الشريفين على المكرمة الملكية وبإذن الله نحن جاهزون لأي معتد".
العودة للقتال "الوطن" زارت المستشفى الميداني المتنقل للقوات المسلحة بجازان، الذي يقوم بدعم الطبابة في الخطوط الأمامية عبر تأمين الأدوية وكل المستلزمات الطبية، والتقت بعدد من المراجعين والمصابين الذي عبروا عن رغبتهم في العودة إلى ميادين البطولات والشرف، تاركين خلفهم كل غال ونفيس في سبيل الذود عن حمى الوطن ومشاركة زملائهم الذين يصنعون بانتصاراتهم تاريخا لا يغفر للجبناء، هذا ما أوضحه أحد المصابين إذ يعاني من كسر في قدمه، الذي كان يعبر عن حزنه عن تغيبه عن أرض المعركة، مؤكدا أنه يتوق أن يرى نفسه صحيحا معافى ليعود إلى جبهة القتال.