محمد العزي أبدع الله سبحانه وتعالى الكون بألوان مختلفة ومتنوعة، فالجبال والأشجار والثمار والأزهار والطيور والحيوانات مختلفة الألوان والأشكال. وليس هناك شك في أن الألوان تلعب دورا مهما في حياتنا، فهي تسبب لنا البهجة والزينة وتبعث على السرور، وبدون الألوان تصبح الحياة كئيبة ومملة. من فوائد الألوان أيضا، أننا نستطيع بواسطتها التمييز بين الأشياء المتطابقة، واختيار المرء لألوان معينة دلالة على ميوله ورغباته واستعداداته وحالته النفسية، وهنا يمكننا أن نقول إن الألوان التي نختارها لنلبسها أو نعيش معها، هي انعكاس لحالة مؤقتة أو طويلة الأمد لكياننا. خبراء علم النفس يؤكدون أن للون تأثير سيكولوجي على النفس، فتحدث أحاسيس ينتج عنها اهتزازات، بعضها يحمل سمة الراحة والاطمئنان، والآخر يحمل صفات الإرهاق والاضطراب. هذه التأثيرات تنقسم إلى تأثيرات مباشرة كالفرح والحزن، وتأثيرات غير مباشرة تتغير حسب الفرد. ومع حرصنا على إضفاء مزيد من الألوان على حياتنا، إلا أننا أبقينا بعض الألوان في حيز ضيق، ونسينا أن لها دلالات ومعاني عدة. لنأخذ مثلا اللون الأسود. إنه سيد الألوان بلا منازع، فهو لون حيادي يمتص جميع الألوان، ولا يعيد ولا يعطي أي لون آخر. حول هذا اللون يكاد يتفق البشر على كود نفسي لا يمكن تغييره بسهولة؛ فأول قاعدة عرفناها عن الأسود أنه لون الخوف والهيبة والاحترام بسبب المجهول، وقد تم برمجة عقولنا أن المجهول مخيف دائما. وقد عززت الثقافة الشعبية هذا المفهوم بجملة من المصطلحات التي تتناقلها الألسن، فقالوا عن اليوم الذي تحدث فيه المصائب "يوم أسود" وفلان "قلبه أسود" كناية عن حقده وحبه للشر" وهناك أيضا "القائمة السوداء" و"الكوميديا السوداء" التي يعبر عنها القول الشائع شر البلية ما يضحك. ورغم ما وصم به هذا اللون وما حُمل من مشاعر سلبية، فهو ما زال يتربع على عرش الموضة والجمال والأناقة. هل يمكننا أن نتخيل منظر القمر بدون سماء متشحة بالسواد. هل سيظهر جمال القمر حينها؟ هل ستتلألأ النجوم لتخطف أبصارنا بروعتها؟ وكيف ستبهرنا أضواء الشموع بدون سواد الظلام؟ هل سيظهر جمال المدن بأضوائها الرائعة دون سواد الليل؟ من قال إن السواد اكتئاب وسواد الكعبة يملأ الروح إشراقا وجمالا؟ من قال إن السواد حزن وعذاب، والسحابة السوداء دون غيرها هي من تحمل المطر؟.