شلل تام أصاب الحياة في قرية شيبة والقرى التي تقع في محيطها، منذ ثلاثة أسابيع بسبب السيول المحلية والمنقولة، إلا أن أهلها متمسكون بالعيش فيها وعدم مفارقتها. شيبة والقرى المجاورة لها تحتل أرضا منبسطة، في أغوار تهامة، وبين جبالها الشاهقة، على ضفاف وادي دفا بين منطقتي عسير وجازان الوادي الذي تتشكل مياهه المتدفقة من أودية بعيدة داخليا ومنقولة من اليمن. شملتها يد العون، حيث قدمت لجنة حكومية من محافظة سراة عبيدة، ومدير الدفاع المدني بها المقدم سعيد آل محسنة، ومندوبا المالية أحمد القحطاني، ومفرح عسيري، وطبيب وممرض من القطاع الصحي في المحافظة وخدمات الإغاثة العاجلة التي أوصلها طيران الأمن. استعدادات سخرت إدارة الدفاع المدني في سراة عبيدة إمكاناتها لخدمة اللجنة، وتواجد الدفاع المدني بفريق متدرب على الإنقاذ والإغاثة، للدعم والمساندة وتحميل المواد الإغاثية المقدمة من وزارة المالية، بالإضافة إلى وجود كثير من الشاحنات المحملة بالمواد الإغاثية. الإيواء الحياة القاسية قاسم مشترك يجمع بين من يقطن شيبة والقرى المجاورة، فالمباني هناك إما مبنية من الحجارة مكسوة بالإسمنت، أو من الشبك المشغول المغطى ببعض الأروقة، أو شيء من الخيام سرعان ما تتساقط بها المياه مع أي زخة مطر. المسن علي يحيى معيي رفض ترك قسوة العيش في قرية شيبة، معللا ذلك بأنها مسقط الرأس، قائلا "إنها ديرتنا، ديرة آبائنا وأجدادنا، نحن رعاة للأغنام، مصدر رزقنا تلك الماعز التي نجلبها إلى محافظة سراة عبيدة، أحد رفيدة، وخميس مشيط كلما سمح لنا الطريق بالعبور للتزود ببعض المواد التموينية". تغيير مسار نقلت طائرات الأمن في رحلات مكوكية خلال الأسبوع قبل الماضي، وقبله مواد تموينية عاجلة ل300 أسرة متضررة في بعض قرى وادي راحة، و50 أسرة أخرى لأهالي قرى العطف. ورافقت "الوطن" قائد الطائرة في الرحلة العقيد طيار يوسف القرني، وآخرين في رحلة تستغرق من 10 دقائق إلى 15 دقيقة، بحسب الظروف المناخية وسرعة الرياح. من فوق جبال تهامة، تبدو أوديتها السحيقة، مغمورة بمياه الأمطار المتدفقة، حاملة معها الصخور. ورصدت عدسة "الوطن" حجم الضرر الذي لحق بطريقين يجري تنفيذهما حاليا أحدهما يصل عمس بالفرشة، والآخر بين وادي الحيا وشيبة الذي تم تجريفه بالكامل، وهي إشارة جيدة لإعادة دراسة مسار الطريق، لا سيما أنهما يقعان في بطون الأودية وبالقرب من مسارات السيول. العيون المترقبة سيارات شحن محملة بالسكر، والرز، والشاي، والزيت، والدقيق، والحليب المجفف، تقف في مهبط الطائرات العمودية. عمال يحملون ما يكفي في المتوسط ل50 أسرة، وتلك حمولة الطائرة التي هبطت بسلام بالقرب من مركز وجود المتضررين. شدة سرعة المراوح تجبر المستقبلين من الأهالي على تغطية وجوهم خوفا، من الأتربة المتصاعدة. ويتكرر السيناريو. لحظات ويقترب الأطفال والشباب من مناطق التجمع، يقتربون من الطائرة، ويتم إنزال المواد التموينية. وفي قراءة أولية لتلك الوجوه السمراء والعيون المترقبة، تلحظ مدى الفاقة إلى تلك المعونة العاجلة، فهم هناك معزولون عن العالم بسبب السيول. يتم التحميل في سيارة تمهيدا لإيصالها إلى المستحقين بعد أن يوثق مندوبو الإمارة والمالية، والدفاع المدني وثائقهم. وهناك سجلات وأوراق وبطاقات عائلية، تستوجب اكتمال مسوغاتها قبل التسليم. غياب قسري معلمو ومعلمات أودية راحة وشيبة في تهامة قحطان، ما يبرر غيابهم. فالطرق المؤدية من مركز الفرشة حيث آخر طريق معبد، إلى مدارسهم لا تزال غير آمنة خوفا من السيول المنقولة، وصعوبة التنقل في الأيام العادية إلا بسيارات دفع رباعي. المعلمات الثماني اللاتي يعملن في مدرسة البنات، تدفع كل واحدة منهن لسائق السيارة ما يساوي نصف مرتبها، إذ يحضرهن من أبها وخميس مشيط وسراة عبيدة صباح كل يوم. يقضين نحو ربع يومهن منتقلات بين الذهاب والعودة، حيث يغادرن منازلهن في ساعات الفجر الأولى، ويقطعن المسافة في أربع ساعات ذهاب، ومثلها في العودة، وهذا فيه جهد ومشقة، إلا أن طلاب وطالبات تلك المنطقة لم يتلقوا خلال ثلاثة أسابيع دروسهم. تعثر مشروع عن المبنى الحكومي لمدرسة أبي سعيد الخدري أكد المتحدث الرسمي باسم تعليم سراة عبيدة مبارك آل طراد "أن المشروع الذي يقع في شيبة متوقف وتمت مخاطبة المقاول المنفذ وفق الأنظمة المتبعة ولم يتم الاستجابة من قبله ويتم الآن إجراءات سحب المشروع، وإعادة طرحه مرة أخرى خلال الأيام المقبلة"، لافتا إلى أن المدرسة تخدم نحو ثلاث قرى، وعن إعادة تصميمه لاستيعاب مراحل أخرى، قال: "ذلك غير مطروح لأن أعداد الطلاب قليلة جدا، وفي تناقص تدريجي ولا يوجد هناك نمو بهذه القرى، وأن عدم وجود أرض لمدرسة البنات الابتدائية حال دون إنشاء مبنى لها". الشباك والجوالات قد يتوافر فوق جبل هناك، أو منعطف واد بعض الإرسال لأبراج شركات الاتصالات، لكن لمركز سريان حكاية أخرى إذ لا يوجد مكان يتوافر فيه الاتصال بالجوالات سوى نقطة، لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار مربعة وبالقرب من مركز الإمارة، حيث اضطر كثير للتردد على مركز الإمارة لإجراء اتصال. ويلاحظ الزائر أن الحضور يضعون جوالاتهم في المكان ذاته لالتقاط أي إشارة قد توفر اتصالاً، أما شيبة فالخدمة وصلت إليها قبل الكهرباء. فوانيس القاز المواطن محمد الحسني يقول: "منذ أسبوعين ونحن منقطعون عن العالم، لا وسائل اتصال ولا كهرباء"، ومن يتمتع بها هم المصلون في المسجد والمؤذن في منزله، حيث تطوع فاعل خير وأمن محرك ديزل، يعمل ساعات محدودة، أما نحن ففوانيس القاز هي وقود الإضاءة ليلا، بعد صلاة العشاء ننام وعند الفجر نستيقظ لنرعى بهائمنا في الأماكن التي لم يصلها السيل، نسكن الخيام ونتخذ من الشبوك درعا يقينا من الحيوانات المفترسة ليلاً". يحيى بهزان يقول: "لدي شبك أتخذ منه منزلا، وعند المطر الأخير الذي صاحبته رياح شديدة، اقتلعت الغطاء، وأصبحنا نفترش الأرض ونلتحف السماء، وحاجتنا إلى الخيام والبطانيات باتت أمراً ملحاً". مشروع قادم رئيس القطاع الجنوبي المهندس ناصر الشريف أكد أن قرية شيبة من ضمن مشروع التجمعات السكنية بتهامة قحطان. وحسب الجدول الزمني سيتم البدء بالتنفيذ بها خلال مايو في حالة تحسن الأحوال الجوية، حيث إن بعض الطرق هناك بها أضرار كبيرة بسبب الأمطار. وسبب ذلك تأخرا في بدء التنفيذ بهذه القرية، علما بأن موعد الاستلام النهائي للمشروع هو نهاية العام الميلادي الحالي. فرقة دائمة للطرق يشير العم عوض آل خزيم ويشاطره الرأي محمد مسرع، إلى أن الحاجة باتت ماسة لإيجاد فرقة من وزارة النقل مجهزة بمعداتها، لفتح الطرق، أولاً بأول. الأمر الذي لم تغفله لجنة التوزيع حيث رفعت في محضر لها تأييد ما ذهب إليه المواطنون في طلباتهم المتكررة. ووجود مخزن أو مستودع خيري تتبناه إحدى جمعيات الخيرية بات أمراً ملحاً. تداعيات الأمطار * شلل أصاب الحياة في قرية شيبة والقرى المحيطة * 300 أسرة متضررة في بعض قرى وادي راحة * 50 أسرة متضررة بقرى العطف * تجريف طريقي عمس - الفرشة، ووادي الحيا - شيبة