عبدالله العمري منذ عام 2013، حذر كثير من الكتاب، وأنا منهم، من أن الفراغ السياسي في سورية إذا لم يتدارك بحل سريع ينطلق من مبادئ جنيف1 فلسوف يحفز الجماعات المتطرفة إلى الذهاب للعيش هناك ومن ثم بدء مشروعهم التكفيري والإرهابي لكل ما يخالف رأيهم! وكان ذلك في بداية ظهور جماعة النصرة، أي قبل تمدد داعش في سورية وغيره، حيث إن النظام السوري وهو الغريق في دماء شعبه البريء سوف يقوم بتحفيز الجماعات المتطرفة واستقدام المرتزقة وجلب خبراء حلفائه في مقابل إطالة بقائه حيا على حساب مئات الآلاف من القتلى السوريين. والحقيقة أن مثل هذا الفراغ السياسي ليس بجديد على الساحة الدولية، فالصومال وأفغانستان و-العراق أخيرا- خير أمثلة على غياب المشهد الصحيح لوجود حكومات تجمع كافة الكتل الوطنية والتي بدورها ستشد الأجزاء المتبعثرة والمتراخية في تلك البلاد. وسورية اليوم وقد أضحت أخطر أزمة في تاريخ هذا القرن تخبرنا بأن الأنظمة الديكتاتورية قد تبيد شعبا بالكامل لأجل بقاء النظام القمعي، كما هو الحال مع بشار الأسد. ولكن ما يعلمه النظام السوري جيدا ولكنه يحاول تجاهله هو ألا أحد غدا سيحاول إنقاذه بعد هزائم حزب الله والانسحاب الروسي والفتور الذي حتما أصاب إيران في الآونة الأخيرة. لن يجد النظام السوري حينها سوى داعش الذي كان السبب الرئيس في ظهوره، وحينها سيتفرغ السوريون من جديد للقضاء على هذا النظام وعلى داعش وعلى بقية الدخلاء من خارج التوافقات الوطنية الممثلة اليوم في هيئة الائتلاف والمعارضة والجيش الحر ككتل وطنية تمثل الشعب السوري. ومن ناحية أخرى، فمحتمل جدا أن يفاجئنا النظام السوري غدا بشيء جديد وأكثر دموية بعد هزيمة كل من كان يسانده خلال السنوات الماضية، فإن الهزائم السياسية التي بانت على وجه الروس والإيرانيين وقبلهم بشار الأسد لهي بالتأكيد أشد فتكا من أي هزيمة عسكرية على الأرض. ومع هذا فلا يزال موقف المملكة واضحا منذ البداية في ضرورة رحيل الأسد، إما بالحل السلمي أو بالحل العسكري، وأن أي إطالة لأمده لن تجدي نفعا، فكل يوم يزداد السوريون والعالم أجمع قناعة بأن سورية يجب أن تصبح خالية من بشار الأسد. واليوم وقد عمت الفوضى دماء الإخوة السوريين إلى درجة ضياع دمائهم بين قتلة كثر ينتمون إلى حزب الله والنظام والروس والإيرانيين والمرتزقة والجماعات المتطرفة، فإن المملكة تسعى حثيثة إلى معالجة هذا الأمر منذ عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، كما جاء عن الأمير منصور بن ناصر بن عبدالعزيز، أحد مستشاري الملك الراحل، عبر لقائه الأخير في "خليجية روتانا"، وهو أن الملك عبدالله، رحمه الله، قد أمر بالاستعداد الكامل لكل احتمالية ممكنة لمعالجة الوضع السوري. واليوم، فإن التحرك السعودي الفائق التدبير قد تكلل بنجاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، في الكشف المبدئي عن جدية أصدقائنا وحلفائنا من خلال إنشاء التحالف الإسلامي العسكري، وعبر مناورات رعد الشمال التي آذى غبار تمارينها كل من لديه حساسية في الجوار، وسوف يستمر هذا الدور السعودي الجديد في قيادة المنطقة حتى يعم الأمن والاستقرار، ويحل السلام.