كشف كتاب أميركي جديد يصدر في فبراير القادم، أن شبكة الإنترنت سوف تصبح في القريب العاجل ركيزة كل البنى الأساسية الأكثر أهمية في العالم، بعدما حطم العالم الرقمي حدود نظام "ويستفاليا" الذي صدر عام 1648، وأرسى مبدأ سيادة الدول، وحكم القواعد الدولية في الحرب والسلم، لأكثر من أربعة قرون كاملة، مبينا أن أمن العالم في القرن الحالي يعتمد حاليا على التكنولوجيا المحمولة، والفضاء السيبراني الذي بات جزءا لا يتجزأ من التكتيكات الحديثة للحروب بين الدول، وليس الجغرافيا وحدود الدول القومية الثابتة والمستقرة، وصار على دولة عظمى بوزن الولاياتالمتحدة أن تتكيف مع استحقاقات العصر الجديد، وتتقبل حقيقة مفادها أنها لم تعد القوة العالمية الوحيدة. انتشار الإنترنت وتكمن أهمية الكتاب الذي يحمل عنوان "اختراق النظام العالمي.. كيف تحارب الأمم وتناور، وتتلاعب بالتجارة، في العصر الرقمي"، لمؤلفه المتخصص في الدراسات الصينية، ومدير برنامج السياسة الرقمية والإنترنت في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، آدم سيجال، في أنه يسلط الضوء على شبكة الإنترنت، التي تربط حاليا ما يقرب من 2.7 مليار شخص حول العالم، مشيرا إلى أن الاهتمام بالشبكة العالمية سيتضاعف في كل شيء تقريبا في العالم، وأنه من المتوقع وجود 75 مليار جهاز متصل على شبكة الإنترنت بحلول عام 2020. تحقيق الأحلام ويقول المؤلف، "إذا كانت أسطورة الفضاء الإلكتروني قد راودت مخيلة العلماء والأدباء، باعتبارها "الفردوس الرقمي" في المستقبل، فإن هذا الحلم أصبح واقعا نعيشه اليوم، وبأسرع مما تتخيل الحكومات والدول، التي تسارع لاهثة من أجل تطوير سلطتها الوطنية في مجال التجارة الإلكترونية، وملكية المعلومات وتدفقها وتنظيمها، فضلا عن إشكاليات الأمن ومخاطره الجديدة". شن الحروب والتجسس اللافت أن سيجال في كتابه الجديد، لا يعالج إشكاليات العصر الرقمي من منظور الغرب مقابل الشرق، أو الشمال عكس الجنوب، وإنما من منظور أوسع وأشمل، وأن التنافس طال الدول الغربية نفسها والدول الحليفة للغرب أيضا، ففي المجال الاقتصادي على سبيل المثال تعد بريطانيا، والسويد، والنرويج، وهولندا بين الدول الرائدة في مجال الإنترنت على مستوى العالم، ولكن العديد من الدول الأوروبية الأخرى لا زالت متخلفة عن الركب، ونتيجة لهذا فإن الاقتصاد الرقمي يسهم بنحو 4 % في الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بنحو 5 % في الولاياتالمتحدة ونحو 7.3 % في كوريا الجنوبية. ويتناول سيجال، في كتابه هذه القضايا وغيرها، وكيف تستخدم الحكومات حاليا "شبكة الإنترنت" في شن الحروب والتجسس والسيطرة والإكراه ضد بعضها البعض، ويشير كأمثلة لذلك النهج الجديد "ما بعد ويستفاليا" بين الدول إلى عزم إسرائيل عرقلة البرنامج النووي الإيراني، والصراع بين الهند وباكستان، وآليات الإرهاب في النظام العالمي الجديد، وتطوير البرازيل لكابلات الألياف الجديدة، وتحديث وصلات الأقمار الصناعية، وتحرير حركة المرور على الإنترنت. والشيء نفسه تمارسه الصين بكل قوتها، لأنها لا تريد الاعتماد على الغرب في الاحتياجات التكنولوجية. ويرى المؤلف أن هذه الصراعات الرقمية الجديدة تشكل تهديدا حقيقيا، يفوق التهديدات المادية في عالم اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لا سيما الهجمات الإلكترونية، التي تهدد وسائل الدفاع وأنظمة الأمان المعقدة مثل شبكات الكهرباء، والمؤسسات المالية، والمرافق الحساسة والحيوية والسيادية. فيروس إيران يصف سيجال، كيف أن إطلاق الهجمات الإلكترونية من قبل أي فرد أو جماعة خاصة أو بلد من البلدان، يمكن أن يدمر في ثوان معدودة اقتصادات شركات كبرى، ومؤسسات رسمية، وبنوكا عالمية، بل يمكن تخريب استراتيجيات وأنظمة تجارة وتعاملات مالية دولية، فضلا عن القرصنة وسرقة الملكيات الفكرية والتلاعب بالحسابات، ما يؤدي إلى شلل في مجموعة دول وليس في بلد واحد، عن طريق نشر الفوضى الاقتصادية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وإنما طال السياسيين والدبلوماسيين، حيث تتم القرصنة وسرقة حساباتهم الشخصية والمكالمات من هواتفهم، والملفات السرية من خلف الأبواب المغلقة، ما يؤدي إلى ضرب العلاقات بين الدول، والتشهير بالحكام، وإفشاء أسرار المكاتبات الدبلوماسية، وإشاعة الفضائح الشخصية أمام الملايين، مثلما هو الحال مع موقع "ويكيليكس" وغيره. لقد بدأت الحرب في العصر الرقمي مع إطلاق فيروس "ستكسنت" عام 2010 على منشأة نووية إيرانية، وحسب الخبير الألماني في الأمن الحاسوبي، رالف لانجر، فهي أول حرب إلكترونية في التاريخ المعاصر، حيث نجح الفيروس في تخريب أهم مواقع البنية التحتية في برنامج إيران النووي وقتئذ، على بعد 30 كيلو متر من مدينة نطنز بمحافظة أصفهان، واستمرت الحرب مع فضيحة القرصنة لشركة سوني، ما يشير إلى أن العالم دخل حقبة جديدة من الصراعات الجيوسياسية التي تتجاوز الجغرافيا، وتكشف عن آثار هائلة ومرعبة تتعلق بحياتنا الاقتصادية والأمنية، فضلا عن خصوصيتنا وهويتنا.