كان لإعلان شركة «غوغل» أنها تعرضت لهجوم صيني الكتروني، وأنها تعيد النظر في الخدمات التي تقدمها في ذلك البلد، وقع الصاعقة. ولكن كيف ترد الصين على موقف «غوغل»، وهل تُقدم شركات أميركية تربطها مصالحها بالصين، مثل «مايكروسوفت» و «ياهو»، على الخطوة نفسها؟ وما أثر مثل هذه الخطوات في مستقبل الفضاء الافتراضي الرقمي؟ وقد يتساءل بعضهم عن الصلة بين إنهاء «غوغل» خدمات البحث المقيدة بقيود الرقابة في الصين جراء هجمات على بنيتها التحتية، وبين سرقة الملكية الفكرية وانتهاك حرمة حسابات البريد الإلكتروني. والحق أن الرقابة الإلكترونية والمراقبة وحرب المعلوماتية، هي فصول من صراع يدور في الفضاء الرقمي. وتتنافس شركات ودول وأفراد للسيطرة والهيمنة عليه. وتحسب الصين أن الهيمنة على العالم الرقمي تعزز طموحها الى ارتقاء مرتبة قوة عظمى من جهة، وتحافظ على الاستقرار الداخلي، من جهة أخرى. وعلى هذا، انتهجت الصين استراتيجيات تبلغها مأربها هذا، وبذلت أموالاً كثيرة. فابتكرت «الجدار الناري العظيم»، وفرضت إجراءات تنظيمية خانقة تحظر حرية التعبير على شبكة الإنترنت، وصرفت النظر عن الهجمات على مصادر المعلومات الأجنبية. وشجعت مثل الهجمات. وفي الأشهر الستة الماضية، قطعت بكين خدمة الإنترنت عن سكان إقليم كسينجيانغ، إثر اندلاع حركة اضطرابات مدنية. وطوال أعوام، تجسست الصين إلكترونياً على دول وشركات بواسطة شبكة «غوست نت». وأمطنا اللثام عن الشبكة هذه، وتتبعنا منبعها ومصدرها الى بكين. ولم ينجح الغرب في إثبات تهمة التجسس الإلكترونية، والهجمات، على الحكومة الصينية. ويبدو أن نهج توكيل التجسس الإلكتروني والقرصنة الى مجموعات إجرامية خاصة تنتهك الشبكة، أفلح في إبقاء السلطات الصينية بمنأى من اللوم المباشر. ويقال ان روسيا وإيران تتوسلان مثل هذه الاستراتيجيات. والظاهر أن كيل «غوغل»، بعد تعرضه الى لهب السياسة الرقمية الصينية، طفح. وقد يضرب زلزال الفضاء الرقمي. فالنتائج المترتبة على خرق الأمن المعلوماتي، والدعوات الى تشديد الرقابة العالمية على مضمون الشبكة وخيمة، وتتجاوز القيود على حرية التعبير والوصول الى المعلومات. ويسعى «غوغل» الى تيسير عمل متصفحي الإنترنت، ويرفع شعار المعلومات «في متناول الجميع». وركن خدمات «غوغل» هو شبكة الإنترنت المفتوحة. ولا شك في أن رد الصين المرتقب على «غوغل» يخلّف أثراً عميقاً في مستقبل الفضاء السيبرنطيقي. وقد تباشر الصين مفاوضات مع «غوغل» تؤدي الى فتح تدريجي للفضاء الرقمي الصيني، أو قد ترى ان خطوة الشركة مناورة خادعة، وتغلق الفرع الصيني من «غوغل». فتحرم الشركة من عائدات 30 في المئة من حصتها من السوق الصينية. او قد تحظر على الشركة تصفح المجال الصيني وبروتوكولات الإنترنت الصينية، وتغلق الفضاء الرقمي الصيني أمام مستخدمي «غوغل». وإذا استبعدت الصين «غوغل»، خسر فضاء الإنترنت العالمي وحدته، وبدأ يتفكك الى «مناطق» تحدد فيها الدول المختلفة مجالات سيادتها. ولكن، ما هي خطوة «غوغل» التالية؟ وهل تقود تحالفاً عالمياً من الحكومات والشركات والمواطنين لحماية الفضاء الافتراضي العالمي المفتوح؟ وهل تفلح في إخراج أركان تقنية المعلومات من انشغالهم بمصالحهم السطحية ليدركوا ان مصير صناعتهم يرتبط بالدفاع عن المساحات المشتركة في فضاء المعلومات؟ ولا ريب في أن رد الحكومات الغربية على الانتهاكات الإلكترونية الصينية مسألة حيوية وحاسمة، فواشنطن وغيرها من العواصم، تدرك أهمية الفضاء الرقمي في الأعمال العسكرية والاستخبارية. ولكنها تأخرت في إدراك مكانته ودوره في نشر القيم الديموقراطية عالمياً. والحكومات مدعوة الى الحؤول دون انحدار الفضاء الرقمي الى عصر ظلمات جديد تنهشه الانقسامات الإقليمية، وتجزئه الى فضاءات خاصة. وسياسة «غوغل» هي دعوة لحماية الإنترنت وعالمه، ودعوة لنا للدفاع عن العالم هذا والنزول الى المتاريس. * تباعاً استاذ مساعد في العلوم السياسية ورئيس مجلس ادارة مجموعة «سيكديف»، عن «غلوب اند ميل» الكندية، 14/1/2010، إعداد حسام عيتاني