مع مرور الوقت، يتسيّد النشر الإلكتروني مساحة كانت حكراً على نظيره الورقي. وتالياً، تتصاعد أهمية الانتباه إلى خطورة القرصنة الإلكترونيّة، خصوصاً مع تسارع التطوّر السريع في التقنيات الرقميّة. ولا شك في أن وجود الكتب على شبكة الإنترنت يحتاج إلى حماية من منطلق الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية. ويشار إلى أن قرصنة الكتب على الإنترنت تفوق بكثير نظيرتها في عوالم الورق. وفي إحدى التقاطعات العربية الحديثة مع هذا المشهد، برزت مسألة الحماية الفكرية للكتب في «المؤتمر الثاني لاتحاد الناشرين العرب»، الذي حمل عنوان «تمكين المعرفة وتحديات النشر العربي»، واستضافته مكتبة الإسكندرية أخيراً. مرصد عربي للنشر شهد المؤتمر نقاشات ثريّة عن مواضيع تتعلق بالنشر، كموضوع الإعلام وتمكين المعرفة، ودور المكتبات العامة في تنمية الكتاب العربي، ومستقبل النشر الرقمي والبيع عبر الإنترنت، وحرية النشر، ومكافحة القرصنة والتزوير، وإشكاليات الترجمة وغيرها. أوصى المؤتمر بضرورة استحداث مرصد عربي للنشر، يتلقى دورياً معلومات عن حال النشر وأرقامه في الدول العربية. كما يجمع أرقاماً عن دور النشر ووضع الرقابة وعدد المنشورات، مع ضرورة وضع منظومة إحصائية لمقارنة النشر العربي بنظيره عالمياً. وناقش المؤتمر السكندري فكرة إنشاء جائزة لتشجيع القراءة والمطالعة. وتصدى المؤتمر لمسألة حقوق الملكيّة الفكريّة ومكافحة القرصنة والتزوير. وأعرب بيتر جيفلر رئيس لجنة الملكية الفكرية في «الاتحاد الدولي للناشرين» عن اعتقاده بضرورة التفاؤل بمستقبل الكتاب، على رغم وجود القرصنة، مشيراً إلى أن نشر الكتب ما زال مُنظّماً، على عكس صناعة الأفلام والأغاني. وأشار إلى أن سوق الكتب الرقمية يتطور ببطء في البلاد العربية، مؤكّداً ضرورة محاربة القرصنة عبر ايجاد صداقات وحلفاء في هذا الصراع، إضافة إلى توعية القرّاء بأهمية حق النشر وقيمته. وأوضح جيفلر أن الجزء الآخر من الحل يكمن في توفير حاجات القارئ بصورة دائمة، خصوصاً أصحاب الاحتياجات الخاصة. وأشار إلى سياسة حقّ النشر، واستمرار الجدال حول تطبيق حقوق النشر. وأضاف: «عدم وضع الناشرين لكتبهم على المواقع الإلكترونيّة لا يفيد إلا في زيادة المواقع المُقرصنة. يجب على الكتاب أن ينافسوا في هذا المجال، وأن ينخرطوا في الثورة الرقمية لأنها تمثّل المستقبل». بركان المعرفة في السياق عينه، تحدّث جينز بامل الأمين العام ل «الاتحاد الدولي للناشرين» عن طُرُق مواجهة القرصنة. وتناول وضع الاستثمار في الكتب، مشيراً إلى أن الناشرين يخسرون بسبب تقلّص مبيعات الكُتُب، مُرجِعاً ذلك إلى أن مواقع القرصنة أصبحت تمثل «مغناطيساً» يجذب الجمهور الذي يحصل على كتب من دون مقابل. وأشار إلى جهود يبذلها 18 ناشراً لإنشاء لجنة لوقف مواقع القرصنة، موضحاً أن ناشرين ألماناً نجحوا في إغلاق موقع للكتب المقرصنة، بل غرّموا صاحبه غرامة فادحة. وقدّم بامل خطوات محددة لكيفية التعامل مع القرصنة، تشمل إرسال خطاب تحذير لمواقع الكُتُب المقرصنة، بإمكان إغلاقها قانونيّاً ما لم تمتنع عن بيع المحتوى المُقَرصَنْ. وكذلك دار نقاش في التفجّر الواسع لبركان المعرفة، بالترافق مع تزايد الاعتداءات على حقوق المؤلفين. وجرت الإشارة إلى أن الصراع على حقوق الملكية الفكرية بدأ في ثمانينات القرن الماضي، وأن الناشر العربي يجب أن يحجز لنفسه مكاناً في العالم الرقمي، خصوصاً أن قوانين تجريم القرصنة تأخرت جداً في العالم العربي، كما أنها لم تنجح في ظل ثقافة مجتمعية تستبيح الملكية الفكرية للحصول على كتب بكلفة أقل. وثمة من رأى أنه أمر يقتل الإبداع. وكذلك لاحظ المؤتمر أن انتشار الكتب الإلكترونيّ يرجع إلى انخفاض كلفة الإنتاج وبيع عدد لا نهائي من النسخ من دون الخوف من نفاد الكمية. وأكد أن التركيز الأكبر الآن يجب أن يكون على الحق المعنوي للكاتب الذي يأتي من نسبة الكتاب إليه، إضافة إلى العمل على استنباط أنماط جديدة في حصول الكاتب على حقه مادياً من بيع الكتاب. وشدّد على أن الخطوات الفردية لا تُجدِ في مواجهة القرصنة، مؤكّداً ضرورة تكاتف الجهود في مواجهة القرصنة الإلكترونيّة.