الحرب الباردة.. كان المسمى الذي أطلق على فترة التوتر التي سادت العالم في النصف الثاني من القرن الماضي، في صراع الهيمنة العالمي بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، ورغم أنها كانت باردة في العاصمتين الأمريكية والسوفيتية، لكنها لم تكن بالتأكيد باردة في بقية دول العالم التي دفعت ملايين القتلى والجرحى وأجيالا من المشوهين ما زالوا يولدون بتشوهات نتجت عن استعمال الأسلحة الكيماوية كفيتنام، وتميزت تلك المرحلة بالتسابق لبناء أكبر ترسانة من أسلحة الدمار الشامل وبناء القواعد الاستراتجية حول العالم، وانتهت بانهيار الاتحاد السوفيتي تحت وطأة استنزافه بتكلفة الحرب الباردة، لكن ومنذ بداية الألفية الجديدة بدأ نوع جديد من الحرب العالمية الباردة، ومجالها ليس فضاء وأرض الدول، إنما «الفضاء الإلكتروني» Cyberspace، وتعرف ب«حرب الفضاء الإلكتروني» Cyberwarfare، وهي حرب بدأت فعليا وخسائرها بمئات ملايين الدولارات، وقد تصل درجة خطرها لدرجة التسبب بكارثة تشرنوبيل جديدة، وإحداث انهيار في البنية التحتية والصناعية والعسكرية في الدول، فكل ما في العالم الحديث يعتمد على الأنظمة الحاسوبية الإلكترونية، وحتى الأنظمة غير المتصلة بالشبكة العالمية هناك طريقة لإصابتها بفيروس مدمر، عبر زرع فيروس كامن في القطع الحاسوبية قبيل بيعها أو بإدخاله عبر وحدة ذاكرة خارجية، كما حصل مع النظام الحاسوبي الإيراني، حيث تضررت عشرات ألوف الحواسيب الحكومية، بما فيها الخاصة بمفاعل بوشهر النووي، والذي أصابه فيروس سمي ب «ستكسنت»، ويعتقد أنه المسؤول عن إعلان إيران تأجيل العمل في المفاعل، ويبدو أن منشأة نووية أخرى تضررت هي «ناتانز» لتخصيب اليورانيوم، إذ انخفضت إنتاجيتها. وبحسب الخبراء، فهو فيروس مصمم من قبل جهة دولية لتخريب البنى الأساسية كالمنشآت النووية والكهربائية والصناعية. ووعيا بهذا الخطر، أسس البنتاجون وحدة خاصة باسم (سايبركوم) Cybercom للدفاع في الفضاء الإلكتروني عن أمن الشبكات والأنظمة الحاسوبية الأمريكية العسكرية والحكومية، وأسست بريطانيا وحدة مماثلة، وكذلك روسيا والصين، والناتو كذلك باسم CCDCOE، وهناك اعتقاد سائد بأن الصين عازمة على أن تصبح القوة الكبرى في القرن الجديد، وليس فقط عبر نموها الاقتصادي الذي هو الأكبر في العالم وعدد سكانها وحسب، إنما بالدخول مع القوة الكبرى الحالية في حرب استنزاف باردة عبر الفضاء الإلكتروني، وقد تنضم إليها دول سيسرها إضعاف الاستئثار الأمريكي بالعالم، كروسياوإيران وكوريا الشمالية. ففي 2009، أعلن البنتاجون أنه أنفق أكثر من مائة مليون دولار خلال ستة أشهر فقط على معالجة آثار الهجمات الإلكترونية على أنظمته، واتهم البنتاجون الجيش الصيني بشن هجوم مؤخرا على النظام الحاسوبي للبنتاجون أدى لتدمير جزء كبير من النظام، وضمنه البريد الإلكتروني لطاقم وزير الدفاع، وقاموا بالسيطرة على عدة أجهزة مركزية والتحكم الكامل بها طوال نصف يوم، كما اخترقوا تقريبا الشبكة الحاسوبية لكل جهاز حكومي أمريكي استراتيجي وأحدثوا أضرارا واسعة فيها وفي الأجهزة، وكشفت وثائق ويكليكس تورط القيادة العليا الصينية في الهجمات الحاسوبية على جوجل والحكومة الأمريكية، وتتراوح أنواع الخطر الحاسوبي بين التجسس العسكري والاستراتيجي عبر سرقة المعلومات الحساسة من الأنظمة الحكومية والصناعية. وبحسب مصادر أمريكية، فالطائرات الإسرائيلية التي قامت بضرب موقع سوري 2007 استعملت تقنية حاسوبية تشبه تلك التي تستعملها أمريكا «سوتر) Suter، والتي تتداخل مع شبكة رادارات الخصم وتعطلها، وتدخل فيها بيانات مضللة وتجعل الطائرات المهاجمة لا تظهر على الرادار، وكشف عن تطوير الصين لخطة قرصنة حاسوبية لتعطيل النظام الإلكتروني لحاملات الطائرات الأمريكية، وقد يتم إحداث أضرار بالبنية الصناعية لأهداف تجارية، كما حصل في يوليو من هذا العام، عندما أعلن عن أن فيروس ستكسنت هاجم برمجيات تشغل آلات صناعية متخصصة وتضررت مصانع غربية، ويعمل الفيروس على سرقة المعلومات وتخريب النظام والآلات في المصانع. وهذا هو المستوى الأول لخطر الهجمات الحاسوبية. أما المستوى الثاني، فهو الجهد الفردي الذي يستهدف جهة فردية أو اعتبارية كما حدث بين متحمسين عرب وإسرائيليين من تخريب للمواقع المتعلقة بالطرف الآخر، وكما حصل مؤخرا من هجوم لمؤيدين لمؤسس ويكليكس ضد المواقع التي قطعت الخدمة عن موقعه وتلك التي تخص مسؤولين عن سجنه، وباتت ممارسة القرصنة الحاسوبية لغرض سياسي تسمى Hacktivism من الدمج بين مصطلحي «ناشط سياسي» و«قرصنة حاسوبية»، وهذا كله غير «الحرب المعلوماتية» في الفضاء الحاسوبي، كما في مثال ويكليكس التي تنشر أسرار الدول. وبالطبع السؤال المطروح هو حول مدى الوعي لدينا بهذه الجبهة الخطيرة والاستعداد للتعامل معها. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة