في وقت استمر الجدل والانقسام حول عبارة وزير الإسكان ماجد الحقيل، والتي أكد فيها أنه لا مشكلة للسكن في المملكة، وإنما المشكلة في الفكر "ثقافة المسكن"، برأ رئيس هيئة المهندسين السابق، المهندس حمد الشقاوي، المواطنين وثقافتهم من تهمة التسبب في أزمة الإسكان قائلا ل"الوطن"، إن المشكلة تشريعية مبعثها مفاهيم خاطئة عند المشرعين، فرضت أنظمة تسببت في إعاقة التطوير، وحمّل وزارتي الإسكان والبلدية المسؤولية الكاملة عن استمرار الأزمة. الإسكان أزمة متفاقمة بين قيود البيروقراطية واختلافات الفكر الشقاوي: أزمة السكن نتيجة فهم المشرعين الخاطئ للتشريعات والأنظمة * تقسيم الأراضي واشتراطات البناء يعوقان التطوير ويرفعان أسعار العقارات أقامت العبارة التي أطلقها وزير الإسكان ماجد الحقيل، والتي أكد فيها أنه لا مشكلة للسكن في المملكة، وإنما المشكلة في الفكر (ثقافة المسكن) الدنيا ولم تقعدها، وقسمت كثيرين حولها، على الرغم من أن الجميع اتفقوا على أن المقصود بثقافة المسكن مساحة الأرض ونوعية السكن. ولم يحدد الوزير في حديثه، هل الثقافة التي يعنيها مطلوبة للمواطن؟ أم أنها تشمل كذلك مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية، خصوصاً أن أنظمة هذه المؤسسات هي صلب الأمر، وهي ما يحتكم إليه المواطن نظاماً. ومن الشائع لدى البعض أن المواطن لا يرضى بالسكن إلا في فلل مساحتها تتجاوز ال500 متر مربع، تتضمن ملاحق خارجية ومسابح وطوابق متعددة، على الرغم من احتياجه لأقل من هذه المساحة بكثير (حسب رأي شريحة كبيرة)، وقد أجرت "الوطن" استفتاء شمل 1500 مواطناً في عدد من مناطق المملكة، تمحور حول رضاهم عن السكن في فلل بمساحة لا تتجاوز 300 متر، وهو ما اعتبره ما يزيد على 80% منهم مناسبا جداً، إلا أن العائق تبين أنه في عدم وجود أراضٍ مطورّة بهذه المساحة، لسببين: أولهما: أن المطورين العقاريين يبدؤون بتقسيم الأراضي بعرض 12 متراً على الشارع، وهو ما يتطلب ارتدادات في الجانبين بواقع 2 متر لكل اتجاه، ليصبح عرض المبنى على الشارع 6 م، وهو ما لا تسمح به أنظمة البلديات، ولا يمكن إصدار فسح بناء عليه، حيث تشترط البلديات ألا تقل مساحة الأرض على الشارع عن 12 متراً في أقل الأحول قبل الارتدادات، وهو ما يعني أن المشكلة ليست ثقافة أو فكر مواطن، وإنما دهاء عقاري ونظام رسمي. الوزير وتغيير المفاهيم بعد 3 أشهر فقط من تعيينه وزيراً للإسكان أعاد الحقيل أزمة السكن إلى قمة دائرة الجدل مجدداً، وذلك على خلفية قوله إن الأزمة ليست مشكلة مال أو توفر أراض، مؤكدا توافر جميع الإمكانات من مال وأراض. الوزير الحقيل اعتبر مشكلة ثقافة السكن أكبر من مشكلة السكن والأرض بكثير، مشددا على أنه يتطلب من وزارة الإسكان العمل بهدوء للخروج بمخرجات تتواءم وتتناغم مع احتياجات المواطنين، لكنه لم يتطرق لخطط الوزارة المستقبلية لمواجهة هذا التحدي، ولم يفصح عن الآلية التي ستعمل عليها وزارته لمعالجة فكر وثقافة المواطن السكنية. الوزير 1 إشكالية في فكر وثقافة المواطنين الإسكانية.. لم يعط تفاصيل. 2 نقص المعلومات الدقيقة التي على ضوئها يتم تشخيص المشكلة ومعالجتها. 3 عدم دقة الأرقام المقدمة للوزارة من مختلف الجهات الحكومية. 4 تحدي بناء 2.5 مليون وحدة سكنية خلال 5 سنوات. مشكلة الإسكان 1- عدم وجود خطط مستقبلية واضحة للإسكان، وعدم الاهتمام الكافي بالمشكلة. 2- التقاعس في تنفيذ الخطط التنموية الخمسية. 3- عدم استشعار الجهات المعنية ووضع الحلول الملائمة لها قبل وقوعها. 4- شُح المعروض من الوحدات السكنية، وارتفاع أسعارها قياساً بإمكانات ذوي الدخل المحدود. 5- غياب الرقابة على الشركات والمكاتب العقارية، واحتكار الأراضي البيضاء من رجال الأعمال والتلاعب في أسعار الأراضي. 6-ارتفاع أسعار الأراضي الخام والأراضي غير المطورة. 7-عدم اكتمال البنى التحتية في المخططات. 8-صعوبة تحويل الأراضي الزراعية الواقعة ضمن النطاق العمراني إلى أراض سكنية. 9-ارتفاع أسعار مواد البناء والأيدي العاملة. 10-ارتفاع إيجارات الوحدات السكنية. 11-عدم وجود برامج تمويل بنكية للمطورين. إحباط.. الوزارة تلتزم الصمت أوضح استطلاع رأي ميداني أجرته "الوطن" حول أزمة السكن، إضافة إلى رصد آراء وأطروحات المواطنين في مواقع التواصل الاجتماعي، وجود حالة من الإحباط لدى المواطن السعودي بإيجاد حلول جذرية تنهي الأزمة، حيث عبر نحو 99% ممن شاركوا في الاستطلاع عن خيبة أملهم وعدم تفاؤلهم بسياسات وخطط الوزارة، وشدد بعضهم على عدم وجود خطط لديها في الواقع، وأن جميع ما طرحه مسؤولوها مجرد تنظير وخطب للاستهلاك الإعلامي. ورأى 1% أن خطط الوزارة واستراتيجيتها غير واضحة، ولا ترقى إلى حجم المشكلة. وحرصا من "الوطن" على منح الوزارة كونها الجهة المعنية بالقطاع الفرصة لإيضاح وجهة نظرها حول الانتقادات الموجهة إليها، فقد تم التواصل مع إدارة العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، وبناء على طلبها أرسلت لها 10 تساؤلات تمثل محاور التقرير منذ أكثر من 10 أيام، لكنها تجاهلت الرد والوعد الذي قطعته بتفنيد جميع التساؤلات والرد عليها في أقرب وقت. بداية الأزمة وتطوراتها بحسب الخبراء والمتابعين، فإن بداية الأزمة نشأت من خلال أداء مصلحة الإسكان، وذلك بسبب البيروقراطية الإدارية وعدم وجود صلاحيات لدى المصلحة تساعدها على تطوير عملها وتسريع وتيرة توفير السكن للمواطنين، وهو نهج سارت عليه الهيئة العامة للإسكان بعد تحول المصلحة إلى هيئة وكذلك بعد تحولها إلى وزارة. وعلى الرغم من جهود الدولة المشهودة لحل مشكلة السكن، إلا أن الأزمة ما تزال قائمة بل تفاقمت بشكل كبير، ولا يزال ما يزيد على 70% من السعوديين لا يمتلكون سكناً، وهناك أسباب تنظيمية لعبت دوراً مؤثراً في تأخر النمو ببناء الوحدات السكنية لمواكبة الطلب، فأصبح هناك فرق كبير بين العرض والطلب. ومن القرارات العليا التي صدرت لحل مشكلة الإسكان على سبيل المثال لا الحصر: واللافت في الموضوع أن أهداف واستراتيجية وزارة الإسكان لا يوجد فيها لا من قريب أو بعيد ما يشير ولو بالتلميح إلى مشكلة فكر ومفاهيم المواطنين الإسكانية وسياسات مواجهة تحدي تغيير فكر ومفاهيم المواطنين، ومعالجة حالة التصادم مع ثقافة الشخص المستهدف، "بحسب تعبير الوزير". كما أعلن الوزير الحقيل خلال حديثه الأخير في ملتقى إعلامي عن عكوف وزارته على إعداد رؤى وتوجهات لمعالجة السكن، شارفت على الانتهاء، رهنها باعتماد وموافقة مجلس الشؤون الاقتصادية، لتنتقل وزارته إلى مرحلة التنفيذ أو إعادة صياغتها من جديد، دون الكشف عن أي تفاصيل عن التوجهات الجديدة، أو المدة الزمنية التي تحتاجها لتنفيذ هذه التوجهات. ومن المحاور والتحديات التي قال وزير الإسكان إنها تواجه وزارته أيضا: "نقص المعلومات الدقيقة التي على ضوئها يتم تشخيص المشكلة ومعالجتها، وإشكالية الفكر والثقافة الإسكانية لدى المواطنين، وأهمية معالجتها، ومنها المنزل الكبير الذي يستدعي متطلبات مالية تكلف المواطن كإيجاد خدامة وخلاف ذلك، إضافة إلى التحدي الكبير الذي يواجه وزارة الإسكان بالإضافة إلى عدم دقة الأرقام المقدمة من مختلف الجهات الحكومية. وقال: عدد الوحدات السكنية التي بنيت خلال 40 سنة تقريباً تبلغ حوالى 6 ملايين وحدة سكنية، ووزارة الإسكان مطالبة الآن وخلال خمس سنوات ببناء ثلث ما بني خلال تلك الفترة أي ما يقارب مليونين و500 ألف وحدة سكنية، الأمر الذي سيمكننا من تحقيق استراتيجية "الإسكان" المتمثلة في خلق بيئة إسكانية مستدامة ومتوازنة. قضية ملحة بات تأمين مسكن للمواطن قضية وطنية ملحة، وليس مجرد رفاهية اجتماعية فقط، إذ يجمع المراقبون والمختصون على أن تخطي إحباط أزمة الإسكان يمثل التحدي الأكبر الذي تواجهه المملكة حالياً، وذلك نتيجة فشل قطاع الإسكان في حل الأزمة على الرغم من توافر جميع المقومات والإمكانات المادية واللوجستية للحل. وبرأ رئيس هيئة المهندسين السابق، المهندس حمد الشقاوي المواطنين وثقافتهم من تهمة التسبب في أزمة الإسكان، وشدد في تصريح إلى "الوطن" على أن المشكلة تشريعية في المقام الأول، ونتيجة مفاهيم خاطئة عند المشرعين فرضت أنظمة تسببت في إعاقة التطوير، مستغرباً ربط وزير الإسكان أزمة السكن بمفاهيم وفكر المواطنين، مشيراً إلى أن السبب الحقيقي هو الفهم الخاطئ للمشرعين والأنظمة المعمول بها. وحمل الشقاوي وزارتي الإسكان والشؤون البلدية المسؤولية الكاملة عن استمرار أزمة السكن، وذلك لفهمهما الخاطئ للإسكان، والإصرار على أنظمة واشتراطات تزيد الأزمة تعقيدا "بحسب تعبيره". وأعطى مثالاً على الأنظمة والتشريعات الخاطئة، بنظام وزارة الشؤون البلدية الذي لا يسمح بتخصيص أرض للبناء تقل مساحتها عن 500 متر أو 450 مترا، وتشترط ألا يقل طول الضلع الخارجي عن 20 متراً، وهو نظام أسهم في خفض عدد المعروض من الأراضي، وأدى بشكل مباشر لارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه، وقلل من فرص تملك المواطن ذي الدخل المحدود والمتوسط لقطعة أرض. التعديل ضروري بأنظمة مرنة وأفكار خلاقة طالب المهندس الشقاوي بضرورة أن تبدأ وزارتا الإسكان والشؤون البلدية والقروية بتغيير مفهومهما للإسكان والبناء أولاً، مشيراً إلى أن أنظمة وتشريعات تخصيص الأراضي والبناء التي أقرت أيام الطفرة في السبعينيات والثمانينيات، كانت مناسبة في تلك الحقبة، أما الآن فقد تحولت مع تطور المجتمع وزيادة عدد السكان إلى عائق رئيسي للتنمية، وأزمت مشكلة الإسكان، مشدداً على ضرورة سن أنظمة واشتراطات جديدة للتخصيص والبناء، تكون مرنة وخلاقة، وتسهم في حل الأزمة، وتوفر المساكن للمواطنين، ومنها خفض نسبة الضلع الخارجي للأرض المخصصة إلى 10 أو 15 مترا، والسماح بتخصيص أراض للبناء بمساحة 200 متر، أو 150 مترا، مؤكدا أنها مساحات كافية، لبناء مساكن رائعة وعصرية. وزاد "نظام التخصيص الحالي للأراضي، يقلص القطع المخصصة للبناء، حيث يكون متوسط إجمالي أراضي المُخطط المخصصة حوالى 3 آلاف قطعة، فيما لو سمحت وزارة البلديات بتخصيص أراضي المخططات بمساحة بحدود 150 و200 متر، سيتضاعف عدد قطع الأراضي المخصصة في المخطط إلى 6 آلاف أو 7 آلاف قطعة، وذلك يعني زيادة عدد الأراضي المخصصة المعروضة، وتنعكس زيادة المعروض على الأسعار التي تنخفض حتماً. البناء على الصامت وهدر المساحات اعتبر الشقاوي مسافات الارتدادات المفروضة للترخيص هدراً للمساحات، وعبئاً إضافياً على المواطن، وبالإمكان الاستغناء عن الارتدادات والبناء على الصامت، كما هو معمول به في معظم الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن غالبية المباني في الدول الأوروبية متلاصقة ولا توجد فيها ارتدادات، مستغرباً تمسك وزارة الشؤون البلدية بشرط تخصيص مساحات للارتدادات بدون وجود مبرر علمي أو جدوى فنية لهذا الشرط. كما انتقد نظام التخصيص لمشاريع تطوير المخططات العقارية، التي لا تسهم من وجهة نظره كمعماري ومختص بحل أزمة السكن، حيث يتم استقطاع نسبة 33% من المخطط للخدمات و12% للمرافق ليبقى 55% من إجمالي المخطط للمالك، مقترحاً أن يتم استقطاع نسبة 10% إضافية من المخططات تخصص لوزارة الإسكان لتقسيمها وتوزيعها على المواطنين.