كان مشهورا بين زملائه في الجامعة بضحكته الهستيرية، وأفكاره التقدمية قياسا بعمره وأعمار أقرانه، كان الجميع يشفق عليه من كثرة أحلامه التي تتجاوز بكثير إمكاناته وقدراته. كانت له قدرة عجيبة على تجسير علاقات إنسانية مع الآخرين، فهذا صديقه والآخر زميله، وذلكم صاحب جميل عليه، والثاني له معه مواقف طريفة يحكيها ويضفي عليها شيئا من خياله وقدراته التمثيلية التي جعلته بين أقرانه مطلبا لجلسات أنسهم ومرحهم. كان "مجموعة إنسان"، سقف أحلامه كان يتخطى ما يريده له محبوه المشفقون عليه، كان هو نفسه يبحث عن أشياء كثيرة، لعل أهمها بحثه عن ذاته التي أضاع بعضها اليتم والعوز والفاقه وبعضها صادرته الأعراف والتقاليد البالية التي جعلته يعيش مجبرا على نسق مختلف عن الناس. أهم منعطف في حياة صاحبنا هو حصوله على الدكتوراه من بلاد الفرنجة ومن جامعة عريقة بكل المقاييس الأكاديمية، العجيب أن توأمه الأكاديمي دراسة وتخرجا كان أول الدفعة الذي سبقه لنيل شرف "الدال"، ومن عجائب القدر أن أول الدفعة وآخرها يتخرجان من ذات الجامعة وذات المشرف وذات الدراسة، وإن اختلفا شكلا لكنهما يتشاركان التجربة بكل ما فيها من أحداث وأماكن وأشخاص. عاد صاحبنا وهو صاحب السعادة الدكتور فلان، لم يعد أسيرا لما كان يعرف عنه من بساطة ومرح، أصبح جواله مغلقا حينا ولا يرد في أحايين كثيرة. أصبح يحاول أن يخلع كل ما يذكره بالماضي من أماكن وأشخاص وتجارب، أصبح نخبويا في رفقته وكلامه وكل حياته، لم يعد للتواضع مكان في شخصيته، أصبح يرى الآخرين من خلال ذاته الأكاديمية و"داله" التي أنسته من هو وكيف كان؟ ترى ما الذي غير صاحبنا وجعله على طرفي نقيض من الخلق والتعامل؟ من الذي سلبه تواضعه وإنسانيته وتلقائيته؟ أسئلة كثيرة تستفز من كان يعرفه سابقا وتجعلهم يقولون وبصوت واحد "تبا لذلك الدال الذي قلب موازين فكر صاحبنا، فبعد أن كان يثير الشفقة والعطف والمرح أصبح اليوم نموذجا لا ينبغي الاحتذاء به تكبرا وتجبرا وفوقية". إنه "دال" القلق الذي يقلق بعض أصحاب النفوس الضعيفة والدنيئة التي لم يبق لها من ماضيها الجميل شيء يذكر، حتى اسمها لم يعد أداة تعريف لها ما لم يكن مسبوقا بذلك "الدال" المقيت.