لا تذكر السريالية إلا ويقفز إلى الذهن العبقري الإسباني سلفادور دالي الذي يعد من أشهر رسامي القرن العشرين، وقد برع في أعماله السريالية المميزة بصورها الغريبة الشبيهة بالأحلام. ولا شك أن لتلك النزعة السريالية مرجعيتها، فهو نجح في إقناع الحالات الهلوسية في نفسه بواسطة عملية سماها «النقد المذعور» والتي فور أن يقوم بهذه الطريقة، ينضج أسلوب رسمه بسرعة استثنائية. ومن خلال عقله اللا شعوري النشط استطاع خلال الفترة من 1929 إلى 1937 إنتاج الرسوم التي جعلته أحد أشهر الفنانين العالميين السرياليين، وكان فيها يتصور عالم الأحلام الذي تكون فيه الأجسام الشائعة مشوهة ومصففة، أو مغيرة بطريقة غريبة وغير طبيعية. ويعرف عن دالي قدرته الفائقة في تصوير الأجسام بدقة، وبتفصيل واقعي، ويضعهم عادة في مناظر الطبيعية المضاءة بنور الشمس الكئيبة، والتي كانت تذكره بوطنه كاتالونيا. وقد تأثر بالنظريات الفيزيائية في عصره حيث يمكن ملاحظة الساعات المنصهرة المرتخية علامة على نسبية الزمن، والزرافات المشتعلة، وإلى جانب الرسم تضمنت ذخيرته الفنية الأفلام، والنحت، واحتلت زوجته جالا مكانا كبيرا في حياته وأدخلها عنصرا أساسيا في كثير من لوحاته. وإضافة إلى الرسم عمل دالي في مجال الرسوم المتحركة القصيرة ورسم فيلما فاز بجائزة دستينو الأكاديمية، وفيه تعاون مع والت ديزني الأمريكية. اشتهرت من رسوماته المبهمة لوحة «إصرار الذاكرة» التي قدمها في عام 1931 وبها ساعات متعرجة وذائبة تستقر في منظر طبيعي هادئ بشكل مخيف. وتطورت رسومات دالي في أواخر الثلاثينيات، حين انتقل للرسم بأسلوب أكثر أكاديمية تحت تأثير رسام عصر النهضة رافائيل، ونتيجة لذلك ترك الحركة السريالية. وكان دالي يمتلك حسا فنيا مبتكرا، وقد أظهر توجها ملحوظا إلى النرجسية وجنون العظمة، وكان هدفه جذب انتباه الجمهور، ما أثار حفيظة أولئك الذين يقدرون فنه ومبررا لمنتقديه، الذين رفضوا سلوكه غريب الأطوار باعتباره وسيلة دعائية أكثر منها فنية. وقد نسب دالي «حبه لكل ما هو مذهب ومترف» إلى جذوره العربية التي تعود إلى أيام الهيمنة العربية لشبه الجزيرة الأيبيرية.