استطاع الطب النفسي منذ القدم أن يحتوي الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية، وانحرافات سلوكية، قد تؤذي الشخص نفسه، أو تؤذي من حوله، فهذا أبوالبركات هبة الله بن علي بن ملكا المولود بملكا بالعراق، وهو الطبيب الذكي العالم بعلوم الأوائل ذائع الخبر، يذكر له ابن أبي أصيبعة نادرة في المداواة بالإيهام مع أحد المرضى النفسيين، فيقول: "إن مريضا ببغداد أصابه عرض الماليخوليا حيث اعتقد بأن على رأسه وعاء لا يفارقه، فكان يمشي برفق متجنبا الأسقف القصيرة، ولا يجعل أحدا يدنو منه حتى لا يميل الوعاء فيقع عن رأسه، وطلب الرجل العلاج حتى وصل به الأمر إلى ابن ملكا الذي فكر في علاجه بالأمور الوهمية، فقال لأهله: إذا كنتُ في الدار فأتوني به، ثم أمر أحد غلمانه أن إذا دخل عليه المريض، وبدأ في الكلام معه، وأشار للغلام بعلامة بينهما أنه يسارع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض كأنه يريد كسر الوعاء الذي يزعم أنه على رأسه، وأوصى غلاما آخر وكان قد أعد معه وعاء في أعلى السطح أنه متى ما رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس المريض أن يرمي الوعاء الذي عنده بسرعة إلى الأرض. فلما حضر المريض، وبدأ في الكلام معه أشار إلى الغلام الذي عنده فأقبل إليه، وقال: لا بد لي أن أكسر هذا الوعاء، وأريحك منه، ثم أدار تلك الخشبة التي معه، وضرب بها فوق رأسه، وعند ذلك رمى الغلام الآخر وعاء من أعلى السطح، فكانت له ضجة عظيمة، وتكسر قطعا كثيرة. فلما رأى المريض ما فعل به، ورأى الوعاء المنكسر لم يشك أنه هو الذي كان على رأسه بزعمه، وأثر فيه الوهم أثرا برئ من علته تلك!! وقد قيل: هذا باب عظيم في المداواة". أورد هذه القصة، وأنا أقرأ قصورا كبيرا في اهتمامنا بالطب النفسي في علاج كثير من مشكلات المجتمع؛ ولعل أبرزها الفكر المتطرف المنحرف! فالفكر غالبا لا يعالج إلا بالفكر، والذين يعملون ليل نهار من أجل إفساد العباد، والإضرار بالبلاد بحاجة إلى التصدي لهم كما هو متبع، ومن أهم وسائل التصدي مجابهة هذا الفكر المنحرف من قبل المختصين في هذا المجال من خلال الإعلام، والبحث العلمي، والندوات، وتقديم الاستشارات، وتفعيل دور مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يكون همّنا فقط هو التعامل مع من وقعوا فريسة لهذا الفكر، بل وبتوعية أفراد المجتمع كبارا وصغارا والتعامل مع الواقع الراهن بكثير من التبصير والإيضاح يتصدى لها المختصون في هذا العلم من أطباء وأساتذة؛ وذلك بتطبيق برامج في المدارس والجامعات تعمل على رسم الطريق الصحيح؛ لبناء هذه النفس البشرية يتم من خلالها إشراك ولي الأمر وتبصيره بكثير من الأمور المستجدة في العالم اليوم، والإفادة من دورات التطوير وبناء المهارات وتفعيلها في قطاعات الدولة ومؤسساتها.