تنظم أمانات المدن سنوياً احتفالات عيد الفطر المبارك للأسر التي لا تملك مالاً تبهج به أطفالها في أقرب مكان يليق بطفولتهم ويحترمها، وتضطر تلك الأسر إلى البقاء في الأجواء الخانقة حيث لا مظاهر للفرح إلا الثوب الجديد صباح العيد. بل حتى إن هذه الفرحة المنقوصة ربما تصادر من الأطفال، فينقلب مظهر الفرح إلى لعنة تطاردهم وقلق لا ينفك عن الطرق على أدمغتهم لأنه ارتبط بذكرى سيئة لن ينسوها ما حييوا. هذه السنة لم تكن مصيبة تلك الأسر فقط أنها لم تستطع الهرب بأطفالها إلى حيث يفرحون، بل كانت هناك أخرى تنتظرهم على مسرح العاصمة التي نصبته أمانتها للترفيه عنهم ولإدخال السرور على قلوبهم التي كتب عليها الشقاء؛ حيث تفاجؤوا بأن خرج عليهم مهرجٌ نَكِرة بجسم ضخم وعقل ضئيل يصفهم بالكلاب أبناء الكلاب وسيل من العبارات الشوارعية المتتالية في سياق لا يبرر له التنمر عليهم بهذه الألفاظ وسط تصفيق بعض الوالدين السذج، فيعترض أب عظيم على ما يحدث بكل أدب، ويصر المهرج على السخرية منه ويعود ليتقيأ ألفاظه البذيئة مرة أخرى ويستمر تصفيق الوالدين له أيضاً، فيخرج الأب بأطفاله ليهرب إلى الملاذ الأخير له، البيت ولا سواه. أمانة العاصمة أرادت أن تؤكد على أمانتها التي أصبحت على المحك بعد هذه الحادثة وخرجت ببيان أقل ما يوصف به؛ أنه تملص من المسؤولية فحملت الخطأ ذلك المهرج وقالت إنه أخل ببنود العقد المبرم معه والذي ينص على "أن تكون الفعاليات تحمل أهدافا تعزز القيم الوطنية، والترفيه وفق الضوابط الأخلاقية"، كما وعدت بأن مثل ذلك "لن يتكرر مستقبلاً" ولم يشر البيان إلى أي نية في محاسبة هذا المهرج! السؤال الذي يجب أن يوجه لأمانة مدينة الرياض: كيف يُترك هذا المتنمر ينجو بفعلته الشنيعة؟! فما دام هناك عقد ببنود وشروط فإن الإخلال به يقتضي المحاسبة، أم أنكم تعتبرون التجاوز بسيط ولا يستحق العقوبة؟ ألم يهدم الركن الأساسي في عمله؟ هل ما وصف به الصغار البريئين يُفرحهم أم يُترحهم ؟ والأسوأ من ذلك أنه يصفهم بالكلاب في يوم فرحهم! أما أنتم يا فلذات أكبادنا الصغار فأرجو أن تغفروا لنا جنايتنا عليكم، وعذرنا أننا وضعنا ثقتنا في من حسبنا أنه ثقة، استقدمنا من نريده أن يقوم على خدمتكم وأنتم رضع؛ فعذبوكم وقتلوكم وتناثرت دماؤكم على صفحات الصحف ولم نلم لجنة الاستقدام، ورضينا فقط بوقفها تدفق أولئك القتلة من العاملات اللائي لم يكن ثقات. ولما بلغتم السعي أخذناكم إلى من نريده أن يضحككم فأبكاكم، ولم نلم من أحضره لكم أيضاً، لأنه وعدنا بأن ذلك لن يتكرر، وكأنه لا شيء حدث ولا فرحة قتلت ولا روحاً غضة جرحت! أما مستقبلاً فالله أعلم بما ينتظركم! لا شك أن ما يلقى في قلوب الصغار في سنواتهم الأولى يحدد سلوكهم بقية حياتهم، وما شاهدناه من أحداث إرهابية في البلد نفذها صغار إلا نتيجة لطفولة بائسة فُرغ منها الفرح ومُلئت بالكره والحقد، فما يكاد يجاوز الطفل السادس عشرة من عمره حتى يلف حول خصره حزام الموت لينتقم ممن حوله وينتقل إلى الحياة السعيدة التي لم يذق طعمها قط في الدنيا، ووعده بها مسخٌ آخر مثله بأنها تنتظره في الآخرة. ولا يستبعد أيضا أن ما تقيأه ذلك المهرج تفريغ لما شحن به في صغره. إذا أردنا لفلذات أكبادنا أن تحيا بسعادة وتعيش سوية كبقية الأمم والشعوب تبني بسواعدها الوطن وتلد بعدها أجيالا أخرى سوية أيضا تواصل البناء؛ فلنختر جيدا ما يلقى في قلوبهم ولا نفْرِط في الثقة بمتعالم أو متمشيخ أو حتى مربّ، خصوصا في ظل الرقابة الضعيفة من المؤسسات المعنية وغياب القوانين التي تحفظ للطفل كرامته واحترامه.