أعاد الشاعر المصري فاروق جويدة من جديد، جدل الحداثة وثوابت الأشياء، وهو الجدل الذي دارت رحى صراعاته طويلاً في ميادين الأدب، وتحزّب أنصار طرفيه كل في معسكره ورأيه وحججه. ورأى جويدة أن الحداثة مفردة أسيء استعمالها، وأن قصدية الحداثة بلا قارئ، معرجا إلى أن بعض الثورات العربية، وعلى الأخص ثورة 25 يناير في مصر لم تترك أثرا جليا على الواقع الإبداعي في مصر. وقال جويدة إن "البعض أساء استخدام مفردة الحداثة، واستخدمها لهدم ثوابت الشعر العربي"، مضيفا في تصريحات على هامش مشاركته في أحد البرامج الشعرية التي ستذاع في رمضان المبارك المقبل "هناك هجمة حداثية أُسيء استخدامها، فالحداثة لا تعني تكسير أو تحطيم ثوابت الأشياء، وقد تعرض الشعر العربي إلى هجمة تحت ستار الحداثة، أفقدته كثيرا من تواصله مع القارئ، والمشكلة الآن أن القصيدة الحداثية بلا قارئ، لذلك أصبح الشعراء يقرؤون لبعضهم البعض، وكان ينبغي أن تكون هناك جسور ما بين الشاعر وجمهوره، لأن الشعر هو الذي يصنع الجمهور، والجمهور لا يصنع الشاعر، فالمتلقي يجد نفسه أولا في كلمات الشعر، وبالتالي يتجاوب مع الشاعر، حتى وإن لم يعرفه، كما أن الرموز في القصيدة الحداثية أغرقت في التعتيم، حيث أصبحت القصيدة بحاجة إلى مذكرة تفسيرية، ولا أعتقد أن القصيدة التي تضل طريقها إلى القارئ يمكن أن تكون لها مكانة". واقع الإبداع وبعيدا عن جدل الحداثة والثوابت، ذهب جويدة إلى الحديث عن ثورة 25 يناير المصرية، مشيراً إلى أنه لم يكن لها أثر ملموس على الواقع الإبداعي في مصر، موضحا أن الأوضاع نفسها التي كانت سائدة في الماضي ما تزال موجودة، وأضاف "ثورة 25 يناير لم تحدث تغييرا جوهريا في المشهد الإبداعي المصري، فما زالت لغة الإسفاف تحتل مساحة كبيرة، وما زال الإنتاج السريع الذي يتلهف على الأسواق يفرض وصايته، ولا زلنا في المستلزمات القديمة نفسها التي سيطرت على الأسواق والفن والثقافة في العالم العربي، خاصة وأن لغة المال أثرت على الإبداع العربي".وأضاف أن "الإنترنت والفضائيات أثرا على البيئة الشعرية، وصار بإمكان أي مبتدئ أن يطرق أبواب الشهرة، حتى وإن لم يكن إنتاجه يستحق النشر". وتابع "هناك كميات مهولة من الأشعار تنشر على المواقع الإلكترونية، وهذا أضاع كل فرص التميز والخصوصية، ورغم سرعة الانتشار إلا أن الإبداع عمل تراكمي، ليس كلاعب كرة القدم، يحرز هدفا فتقوم الدنيا ولا تقعد، ولا يمكن أن تحقق نجومية بقصيدة واحدة أو رواية، فالفضائيات لا تصنع شاعرا، لأن الشهرة في الإبداع الحقيقي تحتاج إلى رصيد طويل وتواصل مع القارئ، ففي زمان مضى كنا نحسب عدد النسخ التي يباع منها ديوان الشعر وكان هذا هو النجاح الحقيقي، أما الآن فإن قصيدة واحدة على فضائية يسمعها أو يشاهدها العشرات".