علي المطوع الكتابة الصحفية أقصر الطرق للانتشار والشهرة، وأسهلها بقاء وحفظا، بها يكسر المبدع الحقيقي كل تابوهات النمطية والرتابة والجمود. في واقعنا المحلي، يتسابق أغلب كتاب الأعمدة والزوايا في صحافتنا، ومجلاتنا والمواقع الإلكترونية المختلفة لملء وتجليل ذلك البياض الورقي أو الفراغ الإلكتروني، بنتاجاتهم الكتابية المختلفة، ليظلوا في سوادهم الأعظم سدنة للرتابة والتكرار، بسبب مراوحتهم في المناطق المعرفية ذاتها. الحياة البسيطة اليومية، بشواهدها الخاطئة، برتابتها وقوانينها المتكررة، تظل قواميسهم الكتابية، وبها ومنها يستمدون جل أفكارهم وتجلياتهم، ليحيلوها مجرد مشاريع إملائية كلامية لا تسمن ولا تغني من جوع. كثير من هؤلاء السدنة أو الكتاب، يعانون ندرة الأفكار، ويصارعون مرارات البحث عن شرارة إبداعية، يفترض أن توقد في عقولهم المتصحرة فكرة لا يلبث دخانها أن يصبح سحابة، تشغل حيزا في فضاءات العقول، لتمطر وعيا وفكرا وثقافة، فتحيل المجدب منها إلى جنان معرفية وبساتين فكرية غناء تؤتي أكلها كل حين، ولكن النمطية بكل شواهدها، تظل السائد الذي يؤطر أغلب نتاجات السواد الأعظم من كتابنا، فهم يقرؤون لبعضهم، ويستمدون أفكارهم من محيطهم القريب جدا، ويتشاركون الهم وأساليب المعالجة بطريقة واحدة، وهذا ما أكسبهم رتابة في الحضور والمعالجة والتعاطي مع كل القضايا المختلفة، تلك الرتابة ما زالت تشكل موادهم الكتابية الأولية التي يعيدون تدويرها، ثم تصديرها للقراء والمتابعين. إن حرص كثير من الكتاب على كثافة الإنتاج (وخصوصا الممتهنين للكتابة اليومية) كمصدر رزق وأسلوب حضور، هم أكثر الكتاب وقوعا في فخ الرتابة المقيت والمزعج، مع الافتراض المسبق أن الموهبة وحدها هي من بوأتهم ليصبحوا كتاب أعمدة يومية، على الرغم أن بعض هؤلاء حملتهم الصدفة والمجاملة ليصبحوا صناع رتابة بمرتبة كاتب. الكثير من هؤلاء الكتاب، يرى أن القراءة - العشوائية - هي الوسيلة المثلى التي تجعله حاضرا في مضامير الكتابة ومنافسات ركضها المستمر، والبعض الآخر يسوح في مواقع الشبكات العنكبوتية، على أمل أن يلتقط فكرة مستهلكة من هنا أو هناك، ليعيد تدويرها وصياغتها، وفق مواصفات ومقاييس القارئ المحلي ورقيبه النشيط جدا والحذر جدا جدا، والبعض منهم يجيد لغات عدة، ومن خلال تلك القدرة يستطيع إعادة تدوير بعض مخلفات تلك الثقافات، ويرصعها ببعض الإكسسوارات الاصطلاحية العربية والمحلية إن لزم الأمر، ثم يصدرها كمنتج كتابي جديد، ولكن تلك الكتابات تظل كالترجمة المتخلفة التي تحضر النص لغة، وفي نفس الوقت تسلبه روحه ومعانيه الإبداعية التي تراعي المتلقي الأساس الذي كتب له ذلك المنتج. الكتابة اليومية عند الكثيرين، مهنة للتكسب تورث صاحبها حضورا مملا، وتكسب القارئ رتابة وفقرا ثقافيا، ينعكس ذلك على مستوى الوعي لدى الناس خاصتهم وعامتهم، وينعكس سلبا على الصحافة ودورها التنويري المفترض. الحل من وجهة نظري يتمثل في استكتاب أكبر قدر من الموهوبين والمبدعين في تلك الصحف، وتكون مساحة حضورهم بمقدار ما يستطيعون إنتاجه من إبداع متميز وحقيقي، تؤرشفه العقول النيرة، وتحفظه سجلات الإبداع ليكون متنها وهامشها وشاهدها، ليعكس كل ذلك تميز الكاتب والقارئ والمطبوعة والعصر الذي احتواهم جميعا.