رغم عراقة الآثار التاريخية والنقوش القديمة والقلاع التاريخية بمركز القحمة المطل على ساحل البحر الأحمر غرب منطقة عسير، إلا أنها تعاني من الإهمال والعبث في ظل غياب الجهات المعنية من عدم المحافظة عليها واستثمارها لكي تكون مواقع جذب سياحي. "الوطن" ومن خلال جولة ميدانية وقفت من خلالها على أغلب المواقع التاريخية والأثرية بالقحمة، والتقت عدد من الأهالي الذين أبدوا استيائهم من الحال الذي وصلت إليه هذه المواقع والتي يعتبرونها جزء لا يتجزأ من تاريخهم وهويتهم، مطالبين في الوقت نفسه بضرورة تدخل الهيئة العامة للسياحة والآثار للمحافظة على ما تبقى من هذه المواقع، وإعادة افتتاح متحف القحمة الذي أغلق في ظروف غامضة ودون مبرر. حضارة ضنكان في ضنكان - 60 كم شرق القحمة - تقف أطلال وحصون قلعة ضنكان شاهدا على حضارة إنسان القحمة، والتي أعدها البعض من المؤرخين "من أقدم الحضارات في منطقة عسير مقدرين عمرها الزمني ب 300 عام قبل الميلاد"، ففي هذه المنطقة يمكن لكل من يزورها مشاهدة الآثار الباقية في الموقع من حجارة الحصون الفريدة، وموقع مصنع الفخار وغرف المأونة التي كانت تستخدم في تخزين المحاصيل. ويقول عنها شيخ آل قرى من المنجحة عبدالله علي مقروي "هذه القلعة الأثرية تعاني الأهمال وغياب الرقابة على ما بقي من آثارها وغالبا ما وجدنا بعض الحفريات في المكان للبحث عن الكنوز، والذي هو أحد القصص الأسطورية التي تروا عن هذه القلعة التاريخية كما يقوم البعض بنهب حجارة الحصون وذلك لتصميمها الفريد"، مضيفا أن كل هذا يحدث في ظل غياب الرقابة على هذا الموقع الأثري المهم. وحتى نستنطق التاريخ بأفواه من عاشه ونقف على ما بقي من آثار ميناء القحمة الذي كان بوابة عسير التجارية والاقتصادية على البحر الأحمر، ومن خلاله تم تزويد عسير السراة وتهامة بالبضائع التجارية المختلفة والتي تنقلها السفن من اليمن وبعض الدول الأفريقية وصولا للقحمة، وعن تلك الحقبة الزمنية يقول عبدالله علي خواجي "كنت في الفترة الزمنية بين عام 1383 وحتى عام 1386 المسئول عن ادارة الجوازات والجنسية بالقحمة"، مبينا أنه كان يعمل لإصدار حفائظ النفوس للمواطنين وكذلك التراخيص للمسافرين سواء عن طريق البر أو البحر وكان لزاما على جميع من يمر بالقحمة الحصول على تلك التراخيص. وأشار إلى أنه كان شاهدا على طفرت الواردات والصادرات التجارية التي كانت تفد على ميناء القحمة في ذلك الزمن والذي لم يبق من آثاره اليوم إلا بقايا سفن خشبية ترسوا على الشاطئ. زيارة ملكية وعن أبرز الشواهد على أهمية القحمة الاستراتيجية ومكانتها الاقتصادية تحدث أمين لجنة التنمية الاجتماعية بالقحمة خالد مقروي قائلا "تأتي الزيارة التاريخية للملك سعود طيب الله ثراه كواحدة من أهم الشواهد على ذلك حينما رست سفينة جلالته في ميناء القحمة البحري، وزار عدد من مقار الادارات الحكومية آنذاك وأمر بناء مسجد جامع على نفقته الخاصة ومايزال حتي يومنا هذا يحمل اسمه وتؤدى فيه الصلوات". إعادة المتحف من جهته أكد مدير متحف القحمة البحري سابقا عبدالله حمادي أن قرار إلغاء المتحف بعد تسليمه من قبل إدارة التعليم إلى هيئة الآثار كان سبب في ضياع الكثير من القطع الأثرية النادرة واستعادة الأهالي البعض الآخر، مطالبا بتحرك الجهات المعنية لإعادة هذا المتحف وتطويره وذلك حتى يشاهد الأبناء موروث وتاريخ الأجداد المليء بالتجارب القاسية وبساطة العيش، ويدركوا كفاح البحار في الماضي الذي كان يشق عباب البحر في الصباح بحثا عن لقمة العيش الشريفة لابنائه من جهته اتعبر الباحث والمهتم بالآثار عبدالرحمن الغانم أهالي القحمة حجر الزاوية الذي يجب أن تنطلق منه مبادرة الحفاظ على هذا الآثار التاريخية، مستشهدا بنموذج قرية رجال ألمع الأثرية، مشيدا بدور أهالي المحافظة الذين كان لهم السبق في المحافظة على موروثهم التاريخي من خلال المشاركة في إعادة ترميمها وصيانتها وتسهيل مهام الهيئة العامة للسياحة والآثار. "خبراء أسبان" من جهته أوضح مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والأثار بمنطقة عسير المهندس محمد العمرة أن هناك استراتيجية شاملة تشمل البحر الأحمر لتطوير مشاريعه وربطها بمشاريع ومنتجات سياحية داخلية، مضيفا أن الاستراتيجية ركزت على تطوير مركز القحمة لجعلها منتج سياحي مميز على مستوى المنطقة بالتعاون مع خبراء أسبان، حيث أن الدراسة تتم تحت مظلة اللجنة التنفيذية لمجلس التنمية السياحية بمنطقة عسير، إضافة إلى أن مبادرة "عسير وجهة سياحية رئيسية على مدار العام" ركزت بشكل كبير على مواقع البحر الأحمر ومنها مركز القحمة. بدوره بين مدير مكتب الآثار بمنطقة عسير سعيد القرني أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تبذل جهودا في الحفاظ على الآثار في كافة مناطق المملكة ومنها مركز القحمة بعسير، مبينا أنه تم تسجيل موقع أثري واحد "قرية مجلي" بسجل الآثار الوطني العام الماضي، وهو عبارة عن مقابر ركامية ونقوش كتابية وتبلغ مساحة الموقع 10 آلاف م2، وقد تم تبتير الموقع نهاية العام الماضي من ضمن مشاريع قطاع الآثار لتبتير المواقع الأثرية وتسويرها. وأضاف القرني أنه تم الانتهاء كمرحلة أولى من البرك ومركز سعيدة الصوالحة، والذي تم تسجيل 3 مواقع أثرية بها قبل حوالي شهرين من الآن وهي عبارة عن رسوم صخرية. وفيما يختص بمركز القحمة أكد القرني أنه يتم حاليا الإعداد لمسحه وقد تلقى الفرع بلاغا من أحد المواطنين عن موقع أثري واحد وسيتم التعامل معه خلال المسح.