رغم أن منطقة عسير اشتهرت ب"السياحة" وجمالية طبيعتها منذ أكثر من عشرين عاما، إلا أن ذلك لم يشفع لها أن تكون ضمن مصاف المدن السياحية "المتقدمة"، وفقا لما رصدته "الوطن" في استطلاع أجرته عبر موقعها الإلكتروني على مدار أسبوع كامل، حول الحوافز لقضاء الإجازة في عسير، والنواقص السياحية في هذه المنطقة. وفي هذا السياق أكد أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد ل"الوطن"، أن المنطقة تتميز بأجوائها المعتدلة والمميزة طوال العام، وهو الأمر الذي يساعد على استقطاب أعداد كبيرة من السياح عاما بعد عام، فالأجواء المناسبة والملائمة عامل مهم في السياحة والاستجمام. وأوضح أن هناك نقصاً في الخدمات السياحية المقدمة، ولكننا: "سنبذل جهوداً مكثفة بالتعاون مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، وسيشعر المصطاف بالفرق في كل سنة عن سابقتها، وأنا دائما أرحب بالنقد الهادف البناء فهو مطلوب دائماً". استطلاع "الوطن" وشارك في هذا الاستطلاع أكثر من 300 شخص من مختلف مناطق المملكة، وأكد 86.6 % منهم أن الذي يدفعهم للسياحة في عسير هو جوها الجميل فقط، في الوقت الذي يوضح فيه 56.6% من المشاركين أن هذه المنطقة تنقصها الأماكن السياحية. ويرى 13.4% من المشاركين أن هناك أسبابا أخرى تدعوهم للسياحة في عسير، من بينها الأقارب، العادات والتقاليد، أما 0.03% فيوضح أنه لا توجد رقابة صارمة من قبل الجهات الحكومية على المتنزهات والمنتجعات خلال فترة الصيف، بينما يشير 0.05% إلى عدم توفر الطرق في المنطقة التي يتنقل فيها السياح بين المواقع السياحية بأريحية. ويؤكد 34.4% من المشاركين أن هناك أسبابا أخرى تنقص عسير إذا توفرت ستكون من أجمل المدن السياحية، ومن أبرزها، عدم تكاتف القطاعات لإنجاح موسم الصيف فيها، عدم توفر مرشدين سياحيين "مؤهلين" في المنطقة، تسجيل أسعار "عالية" بعد قدوم السياح. معرفة فطرية يدرك أهالي منطقة عسير أنها تنفرد من بين مناطق المملكة بمناظر خلابة وجبال شاهقة وأودية مزهرة، وثروات غنية، تتمثل في المواقع والمعالم السياحية التاريخية والأماكن الأثرية، إضافة إلى مناخها الفريد الذي جعلها من أهم مناطق الجذب السياحي في المملكة، والذي يعد عنصر استشفاء لكثير من الأمراض، مما جعلها تشهد سنويا تدفق السياح من كافة المناطق خلال فصلي الربيع والصيف، بحثا عن المتعة والترفيه بين جبالها الخضراء وسهولها الغناء. ومعرفة جمال المنطقة وتميزها لدى أهلها هي معرفة فطرية، إلا أن الباحثة أمل بنت حسين بن سعيد آل مشيط، أرادت أن تضيف إلى هذه المعرفة الفطرية تفسيرات علمية عن المميزات والأسباب التي تجعل السياح والمصطافين يقصدون عسير دون سواها، وأنجزت أطروحتها لدرجة الماجستير في جامعة الملك خالد تحت عنوان: "عناصر المناخ وتأثيرها على السياحة في منطقة عسير بالمملكة العربية السعودية". استعادة الطاقة وآل مشيط التي تنكب حاليا على بحث درجة الدكتوراه حول العوامل المناخية بعسير، انطلقت في بحثها من أن أهمية السياحة ازدادت مع تزايد الضغوط الحياتية التي نعيشها، كما ازداد الوعي والإدراك العام بضرورة الترويح عن النفس من فترة إلى أخرى، خصوصا أن طبيعة العصر الحالي تستوجب من المرء الحصول على قسط من الاستجمام في أجواء مناسبة ومعتدلة بعيداً عن الضجيج والأحوال المناخية السيئة، من أجل استعادة الطاقة والانطلاق ومواصلة العمل. كما أجرت بحثا ميدانيا لاستطلاع آراء السياح القادمين إلى المنطقة، وأسباب اختيارهم لمنطقة عسير لقضاء عطلتهم الصيفية، وما إذا كانت زيارتهم الأولى أم إنهم اعتادوا على السياحة في عسير بشكل سنوي، واحتمالية تكرارها في أعوام قادمة، إضافة إلى التعرف على الجوانب الإيجابية والسلبية أثناء زيارتهم، واحتياجاتهم التي افتقدوها وتمنوا اهتمام الهيئة العليا للسياحة بتوفيرها في مواسم قادمة. خريطة جديدة وسعيا لأن تكون هذه الدراسة عاملا مهما في وضع البرامج التخطيطية للتنمية السياحية ورسم خريطة سياحية جديدة، وتحديد الأسلوب الأمثل لاستغلال المصادر السياحية الطبيعية بالمنطقة، قامت الباحثة بتطبيق الدراسة على سبعة مراكز داخل عسير، هي أبها وخميس مشيط وبيشة والنماص وتثليث وسراة عبيدة والسودة. وأكدت آل مشيط أن الهيئة العامة للسياحة والآثار اعتمدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة خطة موسعة لتنمية قطاع السياحة في عسير، ويبدو هذا جليا في منح التراخيص للمستثمرين ومنظمي الرحلات السياحية والإيواء السياحي ووكالات السفر والإرشاد السياحي، وتيسير التواصل مع هذه الجهات إلكترونياً، إضافة إلى تفعيل العديد من المهرجانات السياحية بالمنطقة.. "إلا أننا ما زلنا ننتظر الكثير من الهيئة بالتعاون مع الجهات المختصة الأخرى بشأن تطوير الطرق والأسواق وزيادة أعداد الفنادق، وغيرها من المقومات السياحية التي تحتاجها المنطقة". تنوع المجالات عسير حباها الله بتنوع فريد في طبيعتها، ففضلا عن مناخها الذي يعد من أهم العوامل الطبيعية المؤثرة في نشاطها السياحي، ودوره الفعال في تحديد الأقاليم السياحية، وتحكم الظروف المناخية في اختيار مناطق الاصطياف في عسير، كما يؤثر في طبيعة الألعاب وأنماط السياحة الموسمية صيفا وشتاء، نجد أن الأهداف السياحية في عسير تتعدد بين سياحة ترفيهية أو رياضية أو ثقافية أو علاجية، أو ما يعرف بسياحة المؤتمرات. ونظراً لاعتدال الظروف المناخية في المنطقة صيفا وشتاء، بالإضافة إلى توافر المقومات النسبية والتنافسية الطبيعية والتاريخية والأثرية والتراثية والثقافية، إلى جانب توفير الخدمات التجارية والصحية والأمنية، كل ذلك جعل منها محط أنظار للكثيرين، ومصدر جذب سياحي لراغبي الاستجمام، مما يؤدي إلى تشجيع السياحة الداخلية والاهتمام بها، ويعود على المنطقة بالعديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، والتي تتمثل في: زيادة الأنشطة الاقتصادية الصيفية والشتوية وتعدد مجالاتها، وخلق فرص عمل محلية متعددة، وزيادة دخل الأفراد والمؤسسات؛ ومن ثم رفع المستوى المعيشي، إضافة إلى زيادة التفاعل الاجتماعي بين المترددين على المنطقة، وإدراك القطاعات الحكومية لأهمية السياحة الداخلية، والعمل على توفير جل ما يحتاجه السائح من مسكن ومواصلات وأماكن ترفيهية بأسعار مناسبة ومنافسة، بالإضافة إلى حماية الموارد التي يأتي السائح لاكتشافها والتمتع بها. وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج، أهمها: • تمتع منطقة عسير بموقع فلكي وجغرافي فريد، إذ توجد اختلافات وتباينات مناخية بين أجزائها الجنوبية والشمالية، خصوصا في المعدلات الحرارية، إضافة إلى التباين الواضح في كميات الأمطار. • تتميز منطقة عسير بخصائصها الجغرافية الطبيعية فيتفاوت سطحها ما بين البحر والساحل، فهي تطل على البحر الأحمر بواجهة ساحلية تتنوع فيها المظاهر البحرية (على امتداد 140 كلم) والجزر والسهل الساحلي (100-150 م) والتلال (300-900 م) والجبال (2000-3000 م) والهضبة والسهول الشرقية (500-600 م).. هذا التفاوت أكسب منطقة عسير تميزا واضحا عن بقية مناطق المملكة، لتتنوع المناظر الطبيعية ما بين الجبال التي تعانق السحاب بارتفاعاتها الشاهقة، والمنحدرات الشديدة التي تطل على تهامة بمشاهد خلابة، وأوديتها الخصبة التي تنتشر من حولها المساحات الخضراء لتضفي على النفس الراحة، والسهل الساحلي.. وجزرها وشواطئها المليئة بالشعب المرجانية والخيرات البحرية.. جميع هذه المظاهر الطبيعية أضفت على منطقة عسير قيمة جمالية جعلت منها منطقة جذب سياحي من الداخل والخارج. • نتيجة لإطلال منطقة الدراسة على الساحل الشرقي من البحر الأحمر يأتي النسيم البارد المحمل ببخار الماء ليلطف الأجواء في فصل الصيف الحار على سهل تهامة، فتسقط الأمطار الغزيرة وتزهر النباتات الطبيعية التي تعمل على جذب السياح للتمتع بمناظرها الخلابة. • أدى تباين مظاهر السطح في منطقة الدراسة بين الجبال الشاهقة وبطون الأودية والهضاب الشرقية وساحل البحر الأحمر، إلى جذب السياح على مدى العام وتوافر السياحة الصيفية والشتوية. ففي فصل الشتاء يتجه الكثير من السياح إلى سهل تهامة، سواء القحمة أو الحريضة للتمتع بالأجواء الدافئة والشمس الحارة وممارسة الكثير من الرياضات البحرية، حيث يعتدل المناخ في هذه المناطق. • يتوافر في منطقة عسير العديد من الإمكانات التي يمكن استثمارها في التنمية السياحية، وتشمل المناخ المعتدل، والأماكن والمعالم الطبيعية كالمتنزهات والغابات والمناطق المفتوحة والمحميات الطبيعية والجبلية والأودية، والشواطئ البحرية الغنية بالشعب المرجانية المميزة والمعالم البحرية العجيبة والتراثية والحضارية، والمواقع ذات الأهمية السياحية أو القابلة للتطوير السياحي، كالمدن والقرى القديمة ذات الطابع المعماري المميز، والقلاع والحصون والقصبات والقصور التاريخية والمساجد القديمة الأثرية، والنقوش والزخارف والمتاحف. كما تتميز منطقة عسير بالصناعات والمشغولات التقليدية اليدوية على الذهب والفضة، والتطريز على الملابس، والنقش على المباني بالألوان المتعددة، وهو ما يعرفب ب"بالقط"، مما جعل منها مصيفا مشهورا بالآثار والمعالم القديمة التي تجذب السياح للتعرف عليها، إضافة إلى توافر العديد من الخدمات والمرافق المساندة لحركة السياحة، كالبنية الأساسية التي يحتاج لها أي سائح كالفنادق والشقق المفروشة والمنتجعات السياحية والخدمات الرياضية والصحية والثقافية. كما يتوافر في منطقة عسير الكثير من خدمات البنية التحتية التي يحتاج لها كل سائح، كالطرق المعبدة والمياه ووسائل الاتصال والصرف الصحي. • يأتي أغلب السياح إلى عسير من المنطقة الشرقية، ومنطقة الرياض، ودول الخليج، خاصة دولة الكويت، كما توجد سياحة شتوية بالمنطقة، وخاصة على سهل تهامة والهضاب الشرقية، نظرا لدفء الجو بهاتين المنطقتين خلال فصل الشتاء، حيث يأتي معظم السياح من بعض مناطق المملكة، وخاصة المنطقة الشمالية شديدة البرودة، وكذلك من مرتفعات عسير. • على الرغم من توافر خدمات البنية الأساسية والتحتية في عسير إلا أنها ما زالت في حاجة ماسة للتطوير، إذ تعد من المعوقات والمشكلات التي قد تحد من راحة السائح أثناء التنقل، ومن ثم تحد من الجذب السياحي. ومن هذه الخدمات التي تحتاج إلى التطوير لتشجيع الحركة السياحية في المنطقة ضعف البنية السياحية المهنية، وضآلة خدمات النقل السياحي، وعدم وجود جهات مخصصة لتطوير التسويق السياحي، وافتقار المنطقة للأنشطة الجديدة الجاذبة للسياحة الخارجية، وافتقار البنية الأساسية التي يحتاجها السائح، خاصة على خط الساحل والشواطئ، وعدم توافر الطرق المعبدة على الشواطئ، وصعوبة الاتصال الجيد بين الساحل والداخل، مما يؤدي إلى عرقلة تنقل السائح وعدم شعوره بالراحة لخطورة الطرق، وتهديد المعالم الأثرية والسياحية بالاندثار لعدم الاهتمام والحفاظ عليها، على الرغم من أنها تمثل معالم مهمة تستقطب الكثير من السياح لمنطقة الدراسة، وبالتالي حرمان المنطقة من أهم معالمها. توصيات أطروحة دكتوراة عن المناخ والسياحة في عسير • الاهتمام بالمعالم الأثرية وصيانتها المستمرة، وإحاطتها والحفاظ عليها من الاستخدام العشوائي، وذلك بتحويلها إلى متاحف يقصدها السائح للتعرف على تاريخ المنطقة ومحاولة الاستفادة من نماذج الدول الغربية في الحفاظ عليها، على أن يكون هناك مبلغ رمزي عند الدخول للاستفادة منه في ترميم هذه الآثار، ووضع عمالة مهنية متخصصة من أبناء الوطن للإرشاد السياحي بأهم المعالم داخل هذه المتاحف. • انطلاقا من مسؤولية الهيئة العليا للسياحة في رفع مستوى السياحة في المنطقة، أوصت الدراسة بضرورة الاهتمام بتنمية البنية الأساسية والخدمات السياحية، والحد من التوسع العمراني العشوائي على جوانب الطرق السياحية. • ضرورة تشجيع السياحة الشتوية في المنطقة، وإقامة المخيمات المناسبة، وإمدادها بالخدمات الأمنية والترويحية والرياضية والتسويقية، لكي تتناسب مع حاجات السائح. • تشجيع المستثمرين على إقامة المشروعات السياحية الكبرى بالمنطقة، والاستفادة من المقومات الطبيعية، خصوصا في النطاق الساحلي. • تطوير شبكة الطرق وتزويدها بأعمدة الإنارة الفسفورية لاختراق الضباب الذي يتشكل في الصباح الباكر، وحماية جوانب الطرق لتقليل الانهيارات الصخرية والتطهير الدائم لمجاري السيول. • زيادة أعداد الفنادق بمختلف درجاتها لتتناسب مع مستوى كل سائح، ومراعاة تقديم خدمات جيدة وأسعار تلائم الإنفاق الأسري. • إيجاد حلول عاجلة لمشكلة المياه العذبة، وخاصة خلال فصل الصيف. • استثمار جمال الطبيعة الجبلية لتشجيع سياحة "السفاري" والمغامرات في دروب الجبال، وممارسة أنواع من الرياضة الجبلية كتسلق الجبال وركوب الدراجات.