على صفيح الماضي والتفكير فيه، ومقارنته بالحاضر المشرق، جلس الحاج الليبي حسين على عربته المتحركة، خارج إحدى بوابات المسجد الحرام، يعيد بينه وبين نفسه تأملات ماضية لحجته الأولى قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيف (35 عاماً). التأمل الأكبر للحاج حسين قبل مقدمه للديار المقدسة، كان وقوفه أمام مرآة منزله يستدرك أيام حج فريضته الأولى، وها هو يدقق معالم نظره على الغيم الذي ظلل بياض شعره، وعمره الذي تقدمت به سنون الدهر قد وصل إلى 75 عاما. فعند نظرة تلك المرآة عقد الحاج حسين نيته رغم مشقة الحج وتنقلاته عليه، إلا أنه صمم على أداء فريضته الثانية بعد تلك السنين الطويلة الفاصلة في مرحلته العمرية. الحاج حسين أو الحاج بنغازي أسوة بمدينته التي أتى منها والتي كانت شرارة الثورة التي أزاحت حكم نظام القذافي في 2011، فعند حديثه ل"الوطن" تختلف حالة الرجل بين روح الشباب، وروح المسنين. بين حجته الأولى في ثمانينات القرن الماضي (1980)، وبين حجة 2014، تكمن دلالات قصصية في حديث حاج بنغازي، ومع نبرة العبرات، يسترجع مسار شبابه فيقول: "آنذاك كان الشباب يكسوني والحيوية تغمرني، وتنقلاتي مع الفتوة كانت تتسم بالسهولة، ورغم ذلك كنت أجد مشقة في كل شعيرة أقضيها، حيث إن الإمكانات كانت محدودة والطرق كانت قصيرة والساحات ضيقة ومجال الطواف غير متسع، ومع أني كنت آنذاك في عنفواني إلا أنني لا أنسى تلك المشقة التي كنا نعانيها ونتكبدها، وبخاصة مصاعب التنقل". من الصعب أن تستوقف الحاج حسين في الحديث أو حتى تقاطعه، لأنه لا يسرد فقط حكايته الشخصية، بقدر ما يسرد سيرة ذاتية في حب أرض المشاعر المقدسة، وهنا يصمت ويتذكر قراره الذي نقضه حباً في هذا المكان، حيث قرر في تلك الحجة أن تكون هي النهائية والأخيرة. كثيراً ما راود الحج الحاج حسين، تارة حديث نفس، وأخرى حديث عائلي يشاور فيه عائلته ومحبيه، وعندما أشاهد وفود الحجيج في عرصات المشاعر المفدسة من خلال التلفاز هنا لا أجد وسيلة للتعبير عن هذا الحب سوى "الدمعات"، ويقول: "التطورات السريعة التي رأيتها في المشاعر، والخدمة المميزة والفريدة المقدمة للحجاج، قررت بصحبة رفيقة دربي زوجتي على عقد العزم للديار المقدسة لأداء الفريضة الثانية في حياتي". يذكر كثيراً الحاج حسين الخدمات التي تقدم للحجيج، فلم يتصور منذ رؤيته للحرم المكي التوسعة الكبيرة للمسعى، وطوابق صحن الطواف، والمسارات المتخصصة بالعربات المتحركة على عكس الماضي تماماً. أمنيته الوحيدة التي يتمناها الحاج حسين أن يبقي نظره صوب البيت المعمور.