الحمد لله الذي بلَّغنا العشر المباركات، ونسأله تعالى أن يبلغ حجاج بيته الحرام يوم النحر الأعظم، وأن ييسر لهم إتمام بقية مناسكهم، وأن يعيدهم لأوطانهم بفضله ومنَّه غانمين سالمين. من لا يعرف الحج لا يستطيع أن يتصور مقدار ما تبذله هذه البلاد من جهود سنوية مضنية ومتلاحقة لخدمة مليوني حاج من حجاج البيت الحرام وتنظيم تحركاتهم. ولا شك أن تحدي تقديم خدمات استقبال ونقل وإعاشة وإسكان هذه الحشود الضخمة ورعايتها صحيا وأمنيا وتحريكها في وقت واحد يقتضي بذل جهود خارقة يدركها ويعيها كل من قام بهذه الفريضة. وقد ظلت خدمة الحجيج على ما فيها من مشقة بمثابة الشرف العظيم الذي يفخر به ولاة أمر وسكان هذه الديار المقدسة ويتوارثونه جيلا بعد آخر منذ قيام هذه الفريضة حتى يوم الناس هذا. وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذل لخدمة هذه الحشود، فإن الحاجة إلى تطوير خدمات الحج وتحسينها تظل مطلبا طبيعيا بالنظر إلى نمو أعداد الحجاج وتطور الحياة ذاتها، سواء في نوعية الخدمات المطلوبة أو في وسائل تلبيتها. على مدى العقود الماضية، جرت توسعة كبيرة في الحرمين الشريفين والمناطق المركزية المحيطة بهما، كما تم تطوير البنى التحتية في المشاعر المقدسة كتوسيع الطرق ومناطق رمي الجمرات وتنظيم مسارات تفويج الحجاج عبر دراسة درجة الانسيابية من وإلى الجمرات من خلال نظام حاسوبي دقيق يمكن من خلاله تمييز أعداد الحجاج النظاميين وغير النظاميين. وكما فهمت من الصديق حاتم قاضي وكيل وزارة الحج فإن الطاقة الاستيعابية للمرات المؤدية للجمرات لم تصل بعد إلى طاقتها القصوى التي تبلغ 300 ألف حاج في الساعة، وهذا تطور ملحوظ تشكر عليه وزارة الإسكان. وعلى الرغم من الجهود المضنية التي تبذل في مجال تسيير المركبات بين المشاعر، فما زال انتقالها من عرفات إلى مزدلفة، ثم منى، فالحرم الشريف يعاني اختناقات مرهقة في بعض الحالات، وسيظل هناك متسع للتطوير وتحسين الخدمة. فقد طبقت المراحل الثلاث الأولى من طريقة النقل الترددي منذ حج عام 1425ه وصادفت نجاحا معقولا؛ الأمر الذي شجع على توسيع فكرتها عبر خطط مجدولة ومرحلية لمواسم عدة. ففي هذا العام سيستفيد منها حجاج إفريقيا وإيران. كما سيتم انطلاقا من هذا الموسم تشغيل قطار المشاعر بنسبة 30 في المائة، كما صرح بعض المسؤولين، وهي الوسيلة التي يؤمل أن تحل مشكلات الاختناقات بشكل كبير وجذري. ومن الواضح أن العمل على تطوير مختلف الخدمات كميا ونوعيا مع جميع الجهات ذات العلاقة يبدأ فعليا مع انتهاء موسم الحج حتى بداية الموسم التالي. فوزارة الحج تبدأ التنسيق في نهاية كل موسم مع بعثات الحج، والنقابة العامة للسيارات، ومؤسسات الطوافة، ومؤسسات خدمة حجاج الداخل، مع كل ما يتطلبه ذلك من تحديث برامج البنية التقنية، ومراجعة تفاصيل آليات الخطط التشغيلية لاستقبال الحجيج ونقلهم وتفويجهم بين المشاعر حتى مغادرتهم. ومن التطورات اللافتة أيضا تحويل المعاملات الإدارية المتعلقة بالحج إلكترونيا بنسبة كبيرة، كنظام العمرة، ونظام حجاج الداخل، والتفويج من مكة إلى المدينة، ونظام الحد من الحجاج غير النظاميين ونحوها. لقد بلغت الخدمات التي تقدمها وزارة الحج نحو 90 خدمة عولجت على شكل أنظمة وتطبيقات إلكترونية. ويجري الحديث عن خطة استراتيجية لل 25 عاما القادمة نوقشت في مجلس الشورى، وهي تحت نظر شعبة الخبراء في طريقها إلى مجلس الوزراء؛ لإقرارها. ونحن نرجو أن يكون في هذه الخطة ما يعين على تحقيق قفزات نوعية كبيرة في خدمات الحج. نسأل المولى الكريم جلَّت قدرته أن يوفق جميع القائمين على هذه المهمة الشريفة الشاقة ويعينهم على أدائها، وأن يتولى وفده من حجاج بيته الحرام برعايته ويسبغ عليهم من جميل إحسانه وكريم غفرانه، وأن يشملنا والقراء بعفوه وإحسانه؛ إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه. نقلا عن الاقتصادية