اسمحوا لي أن أقول إن الخلل أكبر من قضية، يؤلمنا ويربكنا سماعه، تتحول معه الأحلام الوردية إلى فرحة هاربة بلا أثر، ارتبط بواقعنا حتى أصبح من صور التأخر الحضاري، ملأت جذوره وفروعه وحروفه شمال الوطن وجنوبه، آن الأوان أن نتخلص منه حتى وإن سكن ذاكرتنا لسنين طويلة. مهما هربنا، أو تجاوزنا تفاصيل مسماه في الاستهلال إلا أنه ليس بوسعنا ولا بوسع المسؤول أن يخفي ملامحه عن السواد الأعظم من الناس، قد توشح بكثير من المسميات ليختفي فجأة عن الأنظار، لكن لمرحلة قصيرة يعود بعدها لا محالة، حاولوا تحسين صورته فقالوا عنه: (مشروع متعثر)، ومازال محاطا بقدر من الغموض لأنه متصل بعملية تحتاج إلى نوع من الحدس والاستبصار العميق. القضية تدور حول المشاريع المتعثرة فهي ليست حرفا يكتب .. القضية ثروات بلد نسكب فيه آمالنا وطموحنا .. وفي نفوسنا إصرار على أن نتربع فوق القمة مهما كلفنا الثمن والجهد.. فبلدنا لا تنقصه القيادة الرشيدة -حفظهم الله - ولا السيولة المالية ولا السواعد والكفاءات المخلصة.. بقي علينا أن نغير من أنفسنا ونتخلص مع مراحل التغيير من هذا المنحنى الخطير ونسدل الستار على المشاريع المتعثرة.. كي تبقى لوحة الوطن الجميلة جميلة. مازال المواطن يشعر بغليان مفاجئ عندما لا يرى من المعدات حول المشاريع الضخمة سوى معدة متهالكة وجرافة بالية قد أكل عليها الزمان وشرب وصدئت من التوقف لشهور عديدة، ويشعر بالغليان وهو يرى حفرة ظهرت فجأة في قلب مشروع كانت تشكلت بعد إنجازه بأيام، ويشعر بحرقة عندما يرى الأموال الطائلة تطوقها وتعمل بها سواعد على غير كفاءة لتتهاوى مشاريعنا وتصبح أجسادنا أول الضحايا جراء تعثرنا وفقدنا للأنفس التي هي الوطن والعمر والأمل. لهذا فمشاريع الطرق المتعثرة تكبر آثارها وتتسع وتظهر على السطح في ظل عدم وجود قانون صارم يردع كل مقاول متكاسل متخاذل ..بالأمس القريب يوجه وزير النقل بسرعة البحث في المشاريع المتعثرة في ثلاث مناطق من بلادي الحبيبة (الشرقية -جازان -الباحة )، في محاولة منه لردم الهوة والفجوة الوطنية الكبيرة التي خلفها البعض من مقاولي الطرق غير المؤهلين أو الذين اصطدموا بمعوقات أخرى .. أرقام المشاريع المتعثرة تحتاج إلى إفصاح حتى لا تموت، وهي ليست في ثلاث مناطق فقط. ولعل الخطوة الأولى في هذا السبيل تنحصر في تشكيل لجان عاجلة على مستوى المناطق للوقوف على الواقع من خلال الزيارات الميدانية التي هي سر من أسرار النجاح حتى لا تبقى أحلامنا هشة في مهب الريح.