إن أردت يوما أن تقفز فوق سلمك الوظيفي، وتحصل على منصب مرموق، أو حلمت يوما أن تصبح لاعبا مشهورا أو فنانا يسير من خلفه المعجبون، فما عليك سوى إتقان دور "النفاق الاجتماعي"، أو ما يسمى حاليا "بالدبلوماسية". ظاهرة ألقت بظلالها على مجتمعنا، فحين تتخلى عن هذا البروتوكول تصبح في نظر البعض مكروها ومنبوذا ومتجردا من الموضوعية، خاصة إن تدثرت بالصراحة وقول الحقيقة حتى في أدق التفاصيل!. النفاق الاجتماعي يعني تخليك عن قيمك ومبادئك النبيلة تجاه من ترى أنهم المؤثرون في صناعة القرار؛ حتى لا تعرقل مصالحك الشخصية، وإن كنت تراها في عينيك أنها أمور تافهة جدا. فعندما تحين زيارة مدير لأحد فروع وزارته في محافظة أو قرية ترى من "النفاق الاجتماعي" ما لا تصدقه الأعين أو تستسيغه النفس، بداية من حمل عباءة سعادته، وَكَيل عبارات المديح أمامه، وأن ابتسامته مميزة، وكذلك التفاتته حتى أنفاسه هي من هواء غير الذي نستنشقه، وكأنه جاء ليس ليؤدي واجبه كموظف، وإنما جاء كنجم نوراني أهدته لنا السماء؛ ليغير بعصاه السحرية جغرافية المكان وتقاسيم الزمان. ظاهرة "النفاق الاجتماعي" لن تجدها إلا في بعض مجتمعاتنا العربية، فهي توقره وتبجله، خاصة مع أصحاب القرار في الجهات التنفيذية ويعدونه نوعا من "البريستيج والفزلكة"، على نقيض تلك الشعوب غير العربية التي وللأسف كانت تعيش في عصور الظلام وأضحت قبلة للتعلم، ووجهة لتلقي فنون الأدبيات وأسمى القيم؛ نظرا لتخليها عن المجاملات والنفاق الاجتماعي، الذي أصبح أسلوب حياة، وبات أمرا طبيعيا تمارسه جل المجتمعات التي ترفض الصدق، وتحصره في زاوية التخلف، بل ومن يمارسه في سلوكه وتعامله وقيمه هو إنسان غير مرغوب فيه وغير مرحب به. لقد آن لمجتمعاتنا العربية أن تفيق من سبات هذه الظاهرة بأشكالها كافة، وأن تتصدى لممارساتها بالتوعية والتثقيف والتنوير بخطورتها. وأختم بحديث المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري إلى أيهما تتبع"، فهل نحن في حاجة إلى"النفاق" في حياتنا للوصول إلى أحلامنا؟!