فيما حذر مشايخ ودعاة وأعضاء في لجان المناصحة من طموحات ما يسمى ب"إخوان السعودية"، دعوهم للتراجع عن الإضرار بالوطن، مشيرين إلى أن منهجهم المتلون وسريته يسير على خطى الجماعة الأم في مصر. وأوضح عدد من المشايخ في تصريحاتهم إلى"الوطن"، أن المملكة حينما حظرت الجماعة، فإن خطوتها لم تأت من فراغ؛ لأن أحلام رموزها تجاوزت منبعها الأصلي، وصولا إلى محاولات الإضرار بالأمن الوطني. وبينما وجه عضو لجنة المناصحة في منطقة القصيم، الشيخ عبدالعزيز الخليفة رسالة ل"إخوان السعودية" قال فيها "اتقوا الله في أمتكم وخذوا العبرة من الأمم حولكم"، أكد الداعية الشيخ محمد العريني أن "تحولاتهم تحمل الكثير من المراوغة"، في حين قال عضو لجنة المناصحة بوزارة الداخلية الشيخ محمد الفيفي "بعد بيان وزارة الداخلية يلمس المتأمل لوسائل التواصل تغيرا في لغة الخطاب عندهم من أسلوب الحدة إلى التلطف، كانسحاب تكتيكي، سيرا على أبجدياتهم في العمل بخفية لترسيخ الدولة العميقة". وعاد الخليفة ليشدد على أن خبثا أوصل بعضهم إلى الرغبة في هدم الدين باسم الدين؛ لفك تلك الوحدة بين الشعب وقيادته، فنشروا مناهج دعوية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، لم تنتج إلا التكفير وانتقاص منهج العلماء والدولة وصولا إلى التفجير والقتل. حينما جرمت المملكة العربية السعودية، جماعة الإخوان المسلمين، ووضعتها ضمن قائمتها السوداء للجماعات المحظورة، لم تكن خطوة من فراغ. فأحلام رموز وقيادات الجماعة تجاوزت منبعها الأصلي، وأخذت بالتفكير بل وتجاوزته للتخطيط للإضرار بالأمن الوطني وتهديد كيان الدولة، ولكن هل من طريق عودة لهؤلاء إلى جادة الصواب؟ قبل الإجابة عن هذا التساؤل، يجب التنويه إلى أن تنظيم ما يسمى ب"إخوان السعودية"، عمل منذ بدايات عمله التنظيمي بالداخل، على نحو سري، وهو الذي يستمد جذوره من دعوة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البناء في مصر محاولاً بذلك اتساع رقعته ومد نفوذه على العديد من مؤسسات الدولة المفصلية والسعي للسيطرة عليها وفق أجندة مناهضة للتنظيم تعمل بشكل لوجستي لتمرير أفكارها. الأنشطة الطلابية ومن تلك المؤسسات التي سعى الأخوان المسلمون داخل السعودية السيطرة عليها كانت مؤسسة التعليم، فاستحوذوا أيما استحواذ على الأنشطة الطلابية، وكذلك الشؤون الإسلامية، ليتولى قياداتهم الإشراف على المناشط الدعوية ومنابر الجمع وحلق تحفيظ القرآن الكريم. العمل السري لإخوان السعودية لم يكن بالشكل الواضح للمجتمع في دعوته وفكره، بل كان يكتنفه الغموض متخذا الصبغة الدينية شعاراً له في الظاهر للتغرير بالعامة ولتنفيذ أجندته الحركية في الظل كيلا ينكشف أمر التنظيم ويخسر الكثير من الأتباع. وكان واضحا لمتتبع أنشطة قيادات الإخوان المسلمين ومن تتماهى توجهاتهم مع مواقف الجماعة في خارج البلاد، أنهم أخذوا يواكبون التطورات التقنية التي كانوا في السابق محرومين منها، ومنها الظهور في القنوات الفضائية مع مقدمات تلك البرامج من العنصر النسائي، وكذلك إصدار المجلات التي تحمل صورهم إضافة إلى إنشاء قنوات فضائية تخدم التنظيم في الداخل، ورأيهم بجواز عمل المسرحيات الفكاهية والأناشيد ووصفها بالإسلامية بينما كان الهدف من هذه المحاولات والتحولات هو الذوبان داخل المجتمع بدلاً من التقوقع على منظري التنظيم، وذلك للوصول إلى أهدافهم السياسية والسعي لكراسي الحكم. "القاعدة" و"الإخوان" ومهما حاولت جماعة الإخوان المسلمين النأي بنفسها عن العلاقة مع تنظيم القاعدة على سبيل المثال، إلا أن العلاقة بين الجانبين لا يمكن أن يتم فصلها بالطريقة التي يتصورها البعض، فمن المعروف أن "القاعدة" خرجت من رحم الإخوان المسلمين وهي الجناح العسكري لهم وأكبر دليل على ذلك أن قيادات القاعدة العليا ورموزها من الإخوان المسلمين، إذ تم تجنيد الزعيم السابق للتنظيم أسامة بن لادن من قبل الإخواني عبدالله عزام، وقس على ذلك الكثير من قيادات التنظيم الأم. تغير لغة الخطاب يقول عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عضو لجنة المناصحة في وزارة الداخلية محمد الفيفي في تصريحه إلى "الوطن" إن المتأمل لوسائل الإعلام الجديدة والتواصل الاجتماعي بعد بيان وزارة الداخلية المؤيد بالقرار الملكي يستطيع أن يلمس تغيرا في نوع ولغة الخطاب عند جماعة الإخوان المسلمين السعوديين أو من يتعاطف معها بنسبة كبيرة وذلك بالتحول من أسلوب العنف والحدة في الطرح إلى محاولة التلطف في العبارات أو على الأقل تجنب الكلام فيما يفهم منه التأييد أو التعاطف مع الجماعة. وبين أن هذا بحد ذاته يعتبر مؤشرا على وجود انسحاب تكتيكي حتى تهدأ العاصفة، مؤكداً أن هذا التصرف هو في الحقيقة من أبجديات الجماعة ومن مستلزمات العمل عندهم عدم المواجهة حتى تكون هناك القدرة الكافية على الظهور بل عندهم الاستعداد للعمل في الخفاء ولو طال الزمن إلى عقود مادام أنهم في النهاية سيقطفون الثمرة، وذلك بما يسمى "الدولة العميقة" التي تعمل في الظل وخلف الكواليس وتربي الناشئة وتهيئ الأجيال على أجندتها حتى تحين ساعة الصفر. وتناول الفيفي ما جاء في كتاب محمد قطب الذي يحمل عنوان "واقعنا المعاصر" في ص 486، إذ جاء فيه "أما الذين يسألون: إلى متى نظل نربي دون أن "نعمل" فلا نستطيع أن نعطيهم موعدا محددا فنقول لهم: عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة من الآن فهذا رجم بالغيب لا يعتمد على دليل واضح إنما نستطيع أن نقول لهم: نظل نربي حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول". وحول علاقة الإخوان المسلمين بتنظيم القاعدة يقول الشيخ الفيفي "إذا نظرنا فيما يتعلق بعلاقة الجماعة مع القاعدة وتحالفهم معها فهذا يمكن فهمه من خلال أمرين: الأول من خلال التنظير الذي تقوم عليه أجندة هذه الجماعة، وذلك بتقسيم العمل فيها إلى قسمين قسم يقوم بأعمال (الجهاد) كما يسمونها، وقسم يقوم بالنكير والاستمرار في الدعوة كما ذكر ذلك صلاح الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات ( 265 ): ( ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عملياً إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد أمكنه معها أن يتفق على الترخص في شيء من ذلك ترجيحاً لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس بغير تشويش ولا إثارة". وعن علاقة جماعة الإخوان بالجماعات المسلحة الأخرى، قال الفيفي إن هناك الكثير من الجماعات المسلحة خرجت من رحم الإخوان "مثل جماعة التكفير والهجرة أتباع شكري مصطفى وكذلك عبدالله عزام وأيمن الظواهري وكذلك "حركة حماس" التي تعتبر الجناح العسكري للإخوان وكذلك ما يسمى "حزب التحرير"، الذي ينتمي إليه محمد المسعري الموجود حاليا ببريطانيا وقد اتخذت هذه الجماعات المنشقة مسارات متعددة حتى وصلت إلى بعض البلدان العربية حتى حطت رحالها في أفغانستان ومناطق الصراع الأخرى لتستفيد من وجود الشباب المسلم هناك وتجنيدهم وتبغيضهم في حكوماتهم". وأوضح الفيفي أن العلامة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله أشار إلى شيء من ذلك، وهو يصف حال تلك الجماعات التي تستغل الظروف العصيبة لتجنيد الشباب حيث قال في الفتاوى 330 (يشترك في هذه الحروب أناس جاؤوا لينفسوا عن أنفسهم لأنهم في بلادهم مكبوتون فيأتون لينفسوا عن أنفسهم ثم يبثون السموم في الآخرين ويكرهون ولاتهم فيرجع هؤلاء إلى بلادهم وهم قد مقتوا البلاد رعيتها ورعاتها، ويحصل بذلك مفاسد كثيرة والأمثلة كثيرة لا أحب أن أذكرها ولكن تأملوها في عدة بلاد". ولاءات "الجماعة" وعن ولاءات جماعة الإخوان المسلمين، يؤكد عضو لجنة المناصحة التابعة لوزارة الداخلية أن ولاءات رموز وقيادات وأتباع الجماعة للجماعة نفسها. ويدلل على ذلك بالقول إننا رأينا كيف تعاطف الإخوان مع حزبهم ضد السعودية في حرب الخليج وحرب الحوثيين. ويقرأ الشيخ محمد الفيفي، حرص الإخوان على البقاء في الظل حينما يأتي الحديث عن قلب نظام الحكم في دولة ما أو العمل المسلح، وما إذا كان لهم دور خفي في ذلك، بالقول "عند النظر إلى أصول الجماعة التي تقوم عليها نجد أن أعظم أولوياتها هو الوصول إلى كرسي الحكم لأنهم يعتقدون أن دعوتهم لا يمكن لها النفوذ والتحكم والسيطرة والانتشار إلا إذا وصلوا إلى سدة الحكم، ولذلك أجازوا فعل أي عمل في سبيل تحقيق هذه الغاية انطلاقا من القاعدة الميكافيلية (الغاية تبرر الوسيلة)، وهذا يعني أنهم يجيزون كل ما يمكن أن يخدمهم لتحقيق أهدافهم بل يرونه واجبا مادام أنه من أجل مصلحة الدعوة كما ذكر محمود عبدالحليم في كتابه (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 192 1 حيث قال إنهم كانوا يجمعون التبرعات لفلسطين ثم يصرفونها على الجماعة، ولاشك أن هذا مثال واضح على مدى تجويزهم الكذب تحت بند (الضرورة تبيح المحرمات). ويضيف الفيفي أن ما يؤكد أن الحركة هدفها الوصول إلى الحكم ما ذكره مؤسس الجماعة حسن البنا الذي قال "إن تهيئة الجماهير مرحلة لا بد منها لنجاح الثورة أو الانقلاب عندها يقوم الإخوان المسلمون بذلك". تدرج تنظيمي ويشرح الشيخ الفيفي التدرج في العمل التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين داخل السعودية، بالتعريض على كلام حسن البنا في مجموع رسائله التي قال فيها "وأما التدرج والاعتماد على التربية ووضوح الخطوات في طريق الإخوان المسلمين فذلك أن كل دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج، وكثيراً ما تسير هذه المراحل الثلاث جنبا إلى جنب نظرا لوحدة الدعوة وقوة الارتباط بينها جميعا الداعي يدعو، وهو في الوقت نفسه يتخير ويربي، وهو في الوقت عينه يعمل وينفذ كذلك، ولكن لا شك في الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين". ويضيف الفيفي أن أحد كبار منظري الحركة محمد أحمد الراشد في كتابه صناعة الحياة ص 136 قال (فالدعوة دار لها داخل وظاهر، فالظاهر يسع أمة محمد، ولكن الداخل حرم وهو مأوى الأشداء الثقات النبلاء الأمناء فقط لأنه موطن اتخاذ القرار واختيار الخطة والإسرار، وأي تساهل في ذلك قد ينتج عنه الانحراف، ولذلك لن يصل له إلا القديم الولاء العابد المتواضع العفيف اللسان إذا آتاه الله من الذكاء والشجاعة مقدارا ووهبه قوة الشخصية وجودة الصفات الفطرية. الداعية الشيخ محمد العريني يقول في حديثه إلى "الوطن" الإخوان المسلمون يسيرون في اتجاه واحد، لافتا إلى أن التحولات التي يزعمونها غير صحيحة، ولم يكن هناك تغير يذكر في طرح أو مسار إخوان السعودية. وأضاف أن الإخوان يعملون ويشاركون جميع الحركات الإسلامية عداء السلفية. أما إمام وخطيب جامع العساف بمحافظة الرس عضو لجنة المناصحة في منطقة القصيم الشيخ عبدالعزيز الخليفة، فقد شدد على أن الخبث بلغ ببعض هؤلاء مبلغه حين أرادوا هدم الدين باسم الدين لفك تلك الوحدة والترابط في المجتمع بين الشعب وقيادته، فنشروا مناهج دعوية جديدة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، فتأثر بها بعض أبنائنا، وتمت تغذيتها من قبل قوى كبرى وذهبت عجلة الزمن سريعا فتصدر لتلك الدعوات الوافدة من تصدر، وكثر الأتباع واستثيرت العواطف وبدأ التشكيك بمسيرة قادتنا وعلمائنا"، مؤكدا أن الحال وصل إلى المطالبة بالإسقاط لمنهج ما عرف منه الناس في القاصي والداني إلا الخير، بل ووصل الحال بمن تأثر بمنهج القوم إلى التكفير والتفجير، وذهب ضحية ذلك من النفوس البريئة من ذهب". رسالة ونصيحة ولم يفت الخليفة توجيه رسالة عبر "الوطن" لهؤلاء قال فيها "على إخواننا وأبنائنا ممن تزعم ذلك الفكر الإخواني أن يتقوا الله في أمتهم ومصيرها، وألا يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وأن يرجعوا للحق، وأن يأخذوا العبرة بالأمم من حولهم، فمنهج لم ينفع في بلده الذي نشأ فيه كيف ينفع في غيره". وأضاف في رسالته "أخاطب الدعاة والمصلحين أن يأخذوا بزمام الشباب المتأثرين بهم إلى بر الأمان وشاطئ السلامة، فإن في ذلك الخير كل الخير، وسيحمد الجميع صنيعهم، والرجوع للحق فضيلة". وشدد الشيخ الخليفة على أن "السعي لهدم كيان قائم منذ مئات السنين هو تعدي وحمق، ولن يحصل من سعى في هذا الطريق إلا على الخزي والعار والدعوات الصارخات عليه التي تلحقه في عاجل أمره وآجله". وأشار إلى أنه من "نعمة الله أن رزقنا ولله الحمد بولاة أمر، العفو عندهم أحب إليهم من العقوبة، فليستغل جميع من أخطأ في ذلك، ولنجتمع على الحق والمنهج الذي ثبت ولله الحمد نجاحه، فشعائر الدين ظاهرة والشرع محكم، فماذا نريد غير ذلك؟ واختتم بقوله "فلا يستخفنا الذين لا يوقنون، ولما نحن عليه حاسدون ناقمون، أسأل الله أن يهدينا جميعا للحق والثبات عليه، وأن يعين ويوفق ولاة أمرنا لما فيه خير العباد والبلاد، وأن يحفظ شبابنا من كل منهج دخيل وفكر هزيل، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يكفينا شر أعدائنا الظاهرين والمستترين".