يمثل الإشراف التربوي حاجة ملحّة، وعمودا مهما في قيادة وسير عمليات التربية والتعليم، والواقع أن من يحاول أن يشخص واقعه والمأمول منه، يجد صعوبة في تحديد أولويات تحدياته ومعوقات جودته، والتي تتوزع بين الإدارية والفنية والمادية والبيئية، ومن واقع تجربة شخصية، أجد أن هذه التحديات تأتي على النحو التالي: أولا: أن هناك نمط تفكير تاريخي متراكم، وهو شبه سائد بين أطراف العملية التربوية والتعليمية، ومنهم بعض المشرفين التربويين، ومن بقية أطراف المجتمع يرى أن المشرف التربوي ما يزال “مفتشا” متصيدا للأخطاء، ولكل ما هو سلبي، وأنه في موقع تشريف وليس مكلفا، يساعد وينقل الخبرات، ويواجه التحديات، ويتبنى المشاريع والمبادرات، ويستشرف المستقبل، وهذا التصور لم يساعد على مد جسور الثقة والتعاون مع المشرف التربوي بالشكل المأمول. ثانيا: على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم تقوم بخطوات ومشاريع متقدمة، مثل: مشروع العلوم والرياضيات، والمشروع الشامل للمناهج، وبرنامج نور، وغيرها من المشاريع، إلى جانب اتجاهها في عملياتها التطويرية إلى المدرسة فنيا وماديا؛ للابتعاد عن مركزية وبيروقراطية بعض الإدارات الوسطى، إلا أنني أعتقد أنه ما يزال هناك بعض القصور بين أقسام الوزارة والإدارات العامة، وإدارات التربية والتعليم، ومكاتب التربية والتعليم، والتي تأثر بها الإشراف التربوي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فأصبح هناك خلل في الهياكل والتشكيلات الإشرافية، وفي تحديد المهمات والصلاحيات والميزانيات، وهذا ما أدى إلى غياب الهوية المهنية والإطار المرجعي، وصعوبات في التسلسل الهرمي، يزيد من تأثيره السلبي كثرة التجارب ومحاولات هذا التغيير الهيكلي، وفي هذا الشأن أعتقد أننا بحاجة إلى هيكل واضح للبناء والمعايير والمهمات والتقويم، ولا يرتبط بالأشخاص، ويتسم بالاستقرار ولو كان أعرج. ثالثا: التجاوزات في ترشيح المشرفين التربويين؛ ولأسباب متنوعة تتحملها أطراف كثيرة، وفي هذا الشأن أعتقد أن من الواجب تطبيق لائحة شاغلي الوظائف التعليمية دون استثناءات، حتى لو بقى الموقع شاغرا؛ لأن التسلل “غير المشروع” إلى الإشراف التربوي، أثر على مستوى الأداء والتطوير، وساعد على زيادة هذه العمليات “التسللية” إلى مواقع أكثر أهمية وتأثيرا. رابعا: الحاجة الماسة للتدريب والتأهيل النوعي لرفع كفايات المشرفين التربويين المهنية، فالكثير منهم مارس عمليات الإشراف باجتهادات شخصية، وبمحاكاة لمن زاره من المشرفين التربويين، إلى جانب أن الدورات الفصلية للإشراف التربوي اختيارية، وبعضها تغرق في الدراسة الأكاديمية التنظيرية، والمشرف بحاجة إلى مهارات وأدوات في التخطيط الاستراتيجي، والقيادة، وبناء العلاقات الإنسانية، وقياس أثر التدريب، وقياس كفاءة التدريس، وأثر أدائه الإشرافي، وقياس رضا المستفيدين، والجودة، إضافة إلى المهارات التقنية المختلفة. خامسا: عدم وجود نمط إشرافي واضح ومساعد في الزيارات والمتابعة والعلاج والتقويم، بحيث يكون موحدا، يتبناه ويفهمه جميع الأطراف المستفيدة، من قيادات ومشرفين ومديري المدارس ومعلمين وحتى أولياء الأمور، وفي حالات التقويم وقياس الأثر للإشراف التربوي في إدارة تعليمية معينة، يمكن الإذن لها بتحديد النمط الإشرافي الذي تراه مناسبا لها. سادسا: قصور بناء وتطبيقات عمليات التخطيط الاستراتيجي، خاصة في إجراءات التنفيذ والمتابعة والمحاسبية، والتي تؤثر فيها الأسباب سالفة الذكر، وعلى رأسها تعدد المهمات والتكليفات المنوطة بالمشرف التربوي، وتعدد البرامج والمشاريع الوزارية التي تربك هذه الخطط. وعندما نعرض هذه التحديات، فليست دعوة للإحباط أو تكريسا له، أو جلدا للذات فهناك الكثير من الجهود الرائعة والإنجازات، وإنما محاولة لتشخيص واقع إشرافنا التربوي، الذي يجب أن نتفاعل مع همومه، ونبني شراكة صادقة نحو مواجهة مشكلاته، بالعزم والإصرار والتفاؤل رغم كل هذه التحديات؛ نحو رقي للتربية والتعليم في وطن الخير والإنسانية.