تنطلق اليوم في مدينة مونترو الساحلية بغرب سويسرا أعمال مؤتمر جنيف2 للسلام في سورية، على أن ينتقل المؤتمر صباح الغد إلى جنيف لإكمال أعماله. وعزت الأممالمتحدة ذلك إلى امتلاء فنادق مدينة جنيف وعدم وجود حجوزات للوفود المشاركة. وجاء عقد المؤتمر بعد لأيٍ وشد وجذب، ولم تتضح الصورة حول إمكانية عقد المؤتمر من عدمه، وذلك بسبب خلافات حادة حول المشاركين فيه، والدول التي ستحضره، وأجندته والهدف من عقده. فبينما تمسكت روسيا بضرورة مشاركة إيران، وتأكيداتها المستمرة على أن استبعادها "سيكون خطأ لا يغتفر"، أكد الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة والثورة السورية – بصورة حاسمة – رفضه التام لمشاركة طهران في المؤتمر، وأيدته في ذلك دول عربية حريصة على مصلحة الشعب السوري، من منطلق أن النظام الإيراني شريك أساسي في الأزمة، وبالتالي فهو "غير مؤهل" لأن يكون شريكاً في الحل، بسبب دعمه الواضح والمكشوف لنظام الرئيس بشار الأسد، بالسلاح والمال والمقاتلين. كما حرضت حزب الله اللبناني وكتائب أبي الفضل العباس وعددا من المقاتلين الشيعيين على الدخول إلى الأراضي السورية للقتال إلى جانب النظام. وأكثر من ذلك فقد أثبت الثوار بالأدلة والصور مشاركة القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بنفسه في إدارة العمليات العسكرية من داخل دمشق. وكان يسيطر على كامل زمام الأمور، للدرجة التي وصفه فيها البعض بأنه أصبح الحاكم الفعلي لسورية. وظلت مسألة المشاركة الإيرانية في أعمال المؤتمر محل شد وجذب حتى قبل ساعات من انعقاد المؤتمر، حيث اضطر أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون، إلى سحب الدعوة التي وجهها لها أول من أمس للمشاركة، تحت ضغوط من الائتلاف السوري والولاياتالمتحدة. كذلك اختلف الفرقاء حول أجندة المؤتمر والهدف من عقده، إذ أشارت واشنطن في أكثر من مناسبة إلى أن الهدف الرئيس هو استكمال مقررات وتوصيات جنيف1، وفي مقدمتها تشكيل حكومة انتقالية بسلطات كاملة لتخلف النظام الحالي وتمهد الطريق لانتخابات شفافة، ومن ثم إيجاد نظام جديد لا يكون للأسد أو أسرته دور مستقبلي فيه. وهو ما عارضته دمشق أكثر من مرة بأشكال متعددة، آخرها إعلان الأسد رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. ومع أن المؤتمر أصبح أمراً واقعاً، إلا أن هناك أسئلة تتقافز إلى الأذهان بقوة؛ هل هناك احتمالات لنجاحه في ظل تعنت النظام السوري وتصريحات مسؤوليه حول احتمال ترشح بشار الأسد في الانتخابات المقبلة؟ وكيف يمكن لواشنطن الوفاء بتعهداتها للمعارضة بتشكيل هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة لإيجاد حكومة جديدة تخلف نظام الأسد، في ظل الموقف الروسي المعروف؟ وكيف ستكون ردة فعل الكيانات الثورية المعارضة للمشاركة في جنيف2 إذا فشل المؤتمر في تحقيق أهدافه؟ "الوطن" حملت هذه التساؤلات ووضعتها أمام مجموعة من المختصين والباحثين فأفادوا بما تجدونه وسط السطور التالي: أجندة خفية بداية يرى المفكر والمحلل السياسي مهنا الحبيل، ضرورة التفريق ما بين المؤتمرين، جنيف1 وجنيف2 على اعتبار أن الظروف التي فرضت عقد المؤتمر تختلف عن تلك السائدة حالياً، كما أن تطورات الأوضاع الراهنة في سورية قد تقود – من وجهة نظره – إلى تغير كبير في المواقف، ويقول في تصريحات إلى "الوطن": "بداية ينبغي أن نعود إلى أصل القضية. فالمؤتمر الحالي ليس كسابقه، والقول بأنه سيتم الرجوع إليه وكأنه قانون دستوري ملزم هو وهم، هذا حين يقال إن تفسيرات جنيف1 متفق عليها وكانت تنتظر التطبيق، وهذا طبعاً لم يحصل. أما المؤتمر الذي ينطلق اليوم فقد أُسّس وبُنيت مساراته ضمن توافقات اتفاق سان بطرسبرج بين واشنطنوموسكو، ومن ثم الصفقة الأميركية الإيرانية التي تبعته بخصوص البرنامج النووي. حيث كان محور هذه الصفقة هو الاتفاق على تصفية الثورة السورية، وأنها خطر على الجميع. وهذا لم يعد تحليلاً بقدر ما أضحى واقعا ترفده التصريحات الغربية والاتفاقات التي وصلت إلى ساحل الخليج العربي وبدأت تشرذم دوله فعلياً. ولذلك فإن الرهان على جنيف في الأصل لا يوجد ما يسنده بالواقعية السياسية، وهنا أرى أن الائتلاف قد أخطأ حين قبل المشاركة فيه. ضبابية وغموض وعن تعهدات الولاياتالمتحدة للائتلاف بتكوين سلطة انتقالية تمهد لوجود حكومة جديدة يقول: "من أين للائتلاف فرصة الحصول على هذه الضمانات وواقع الميدان السوري مضطرب، وهو لا يتمتع بعلاقة إيجابية ولا حتى اعتراف من قوات الميدان الثورية؟ ما أتوقع حدوثه هو أن يسعى الغرب عموماً وواشنطن على وجه الخصوص لإعادة تقديم نظام الأسد بصورة تسمح ببقاء روحه مع إزالة الشكل الذي ارتبط بمذبحة القرن لتسويقه وقبوله". وعن إمكانية تشتت المعارضة في حال فشل المؤتمر، يقول "المخرج أمام المعارضة يكمن في العودة إلى قوة الميدان، وهو ما يستدعي تأجيل أي تفاوض إلى مرحلة أخرى بعد أن تحقق المعارضة انتصارات ملموسة على الأرض وترغم النظام على التفاوض معها بمرونة والاستجابة لتطلعاتها المشروطة". حسن النية بدوره يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة، أن نجاح المؤتمر يعتمد بالدرجة الأولى على عدة عوامل أساسية، ويقول "تتوقف فرص النجاح على نوعية المشاركين في المؤتمر ومدى قدرتهم على إلزام أو إقناع جميع الأطراف المتحاربة بما يتم الاتفاق عليه، خصوصاً إذا تطلب الأمر ضرورة التوصل إلى اتفاق أولي على وقف إطلاق النار، يمهد للدخول في مفاوضات جادة حول مضمون التسوية. فإذا لم تكن الأطراف المشاركة في المؤتمر قادرة على فرض ما يتم التوصل إليه من تفاهمات أو اتفاقات على الأرض، فسوف ينتقل مركز الثقل الحقيقي والتأثير إلى الأطراف البعيدة عن مائدة التفاوض، والتي سيكون بمقدورها حينئذ أن تعرقل أي تسوية من خلال إمساكها بحق "الفيتو" سواء تم ذلك بشكل صريح أو ضمني. كذلك ينبغي توفر حسن النية لدى جميع الأطراف المشاركة في المؤتمر وصدق رغبتها في البحث عن تسوية حقيقية قابلة للدوام. وعن مشاركة إيران يرى نافعة، أنه ربما كان حضورها يزيد من فرص نجاح المؤتمر، رغم مشاركتها الفعلية في استفحال الأزمة، وأضاف في إفادة خاصة إلى "الوطن": "إيران ستمارس تأثيرها على حركة التفاعلات داخل المؤتمر، سلباً أو إيجاباً في جميع الأحوال، سواء من الداخل أو من الخارج. وأعتقد أن موقفها سيكون أقل تشدداً إذا شاركت مباشرة، وأكثر تشدداً إذا تم استبعادها". الحل العسكري ويقطع نافعة باستحالة تنازل نظام الأسد عن السلطة طوعاً وتحت أي ظروف إلا في حالة واحدة، ويقول "هزيمة النظام عسكرياً على الأرض هي التي ستجبره على الرحيل، وهو ما لم يتحقق بعد، وقد لا يحدث في المستقبل القريب. فطالما ظل نظام بشار متماسكا وقادراً على مواصلة الحرب، وأصبحت المعارضة مضطرة للتفاوض معه فلا بد من التوصل إلى حلول وسطى من خلال تقديم تنازلات متبادلة. لكن النظام لن يقبل بحكومة انتقالية تسلم لها السلطة فوراً، لكنه قد يوافق على أن تشرف الحكومة الانتقالية على انتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع، بما فيها رموز النظام أو حتى بشار الأسد نفسه". ويبدي نافعة تشاؤمه حول توحد القوى التي تقاتل نظام الأسد مستقبلاً، ويقول: "المعارضة ليست موحدة ولم تكن كذلك في أي وقت من الأوقات. وقد بدأت بعض فصائلها تنتقل بالفعل من حالة الانقسام والصراع الأيديولوجي إلى حالة الاقتتال الفعلي. وأعتقد أن الحرب ستندلع بينها حتى لو سقط النظام، مثلما حدث في أفغانستان. لذا يتعين الوصول إلى تصور مشترك لمرحلة انتقالية تمهد للاحتكام الفعلي للشعب وصناديق الاقتراع لتشكيل حكومة منتخبة تعبر عن الشعب السوري فعلا وتحافظ على وحدة وتماسك دولته". تورط إيران بدوره، يؤكد عضو الائتلاف السوري ملهم الدروبي، أن مواقف واشنطن ومقدار الضغط الذي سوف تمارسه على الأطراف المشاركة هو الذي يحدد إمكانية نجاح المؤتمر من عدمه، ويقول في تصريحات إلى "الوطن" "جنيف2 يواجه صعوبات وتحديات عديدة، وفرص نجاحه تتوقف على أن تكون واشنطن حازمة حاسمة هذه المرة، باستخدام العصا الغليظة ضد بشار الأسد لإجباره على التنحي، وهو الأمر الذي لم يلمح له حتى هذه اللحظة". ويقطع الدروبي بأن إيران ما كان لها أن تشارك، نسبة لدورها المستمر في دعم النظام السوري المتواصل، وأن مشاركتها كانت ستحدث لو أنها التزمت بالحد الأدنى من المواقف المطلوبة، ويقول: "النظام الإيراني شريك فعلي في القتل وفي سفك الدم السوري، وهو الذي يدير عمليا شؤون نظام بشار ويمده بالمال والسلاح والمرتزقة الذين يأتمرون بأمره. لذلك لا يمكن القبول بمشاركة طهران، إلا إذا كانت قد تعهدت بقبول بنود جنيف1 وتوقفت عن استخدام الإرهابيين بمختلف مشاربهم في قتل الشعب السوري. إذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني، وافق على الحياد، ومارس الضغط على بشار للتنحي، ونزع عنه أنابيب التغذية التي تبقيه على قيد الحياة، ففي ذلك الوقت كان من الممكن التفكير في الموافقة على مشاركتها في جنيف2. وعن التعهدات الأميركية يقول الدروبي إنها تمثل الحد الأدنى، الذي لا يمكن التنازل عنه، وأضاف "دون ذلك لم يبق ما يمكن أن تذرف عليه الدموع". ويوافق الدروبي على أن مشاركة الائتلاف في المؤتمر، رغم معارضة الكيانات والقوى المقاتلة على الأرض كان مغامرة كبيرة، وتابع "من قرر الذهاب إلى جنيف2 قرر أن يغامر بما تبقى لديه من مصداقية، فإن استطاع تحصيل شيء ذي بال للشعب السوري فسوف يستقبل استقبال الأبطال، وإن لم يحالفه الحظ فسيلحق بمن سبقه ممن أصبح في ذاكرة الثورة غير مأسوف عليهم". مقدمات النهاية وعلى ذات النسق يسير الإعلامي والباحث في الشؤون الإسلامية عبدالعزيز قاسم، الذي يرى أن من أكبر دلالات ضعف النظام السوري أن أمره لم يعد بيده، مشيراً إلى أن تعنته وتصلبه هو أمر متوقع، ويقول "مثل هذا التعنت متوقع من نظام آيل على الانهيار، لولا دعم روسياوإيران له، والكرة في ملعب هاتين الدولتين، فإن أصرتا على بقاء هذا النظام الذي ثار أغلب الشعب السوري ضده، فإن فرص نجاح المؤتمر ستتضاءل، ولا أتصور أبدا أي نجاح أو سلام أو استقرار بوجود هذا النظام، الذي يدخل مؤتمر جنيف2 رافعا سقف مطالبه، حتى يخرج بأقل الخسائر الممكنة. رغم أن الحرب أرهقته واستنزفته، كما أضرت بداعميه خصوصاً إيران، التي تعاني من دفع فاتورة باهظة الثمن". ويستطرد قاسم في الحديث إلى "الوطن" عن الدور الإيراني قائلاً: "تنازل الأسد عن السلطة ليس بيد إيران فقط، وإن كان دورها جوهرياً، فروسيا هي التي تملك مفاتيح ذلك بالدرجة الأولى وبعدها إيران، فلو اقتنعتا بضرورة تغيير الأسد، لتغيرت وجهة الحرب بالكامل، وكانت فرص نجاح المؤتمر كبيرة". ولا يتوقع قاسم أن يفضي المؤتمر إلى ما يرضي المعارضة السورية، أي تغيير النظام بالكامل، ويقول "لا أظن بالوضع الحالي إن يتم هذا الأمر بهذه الصورة، الوضع في سورية أشد تعقيداً من ذلك، وهناك تقاطع مصالح بين الدول الكبرى". وأضاف "هناك لاعب مهم لا يستهان به، هو التنظيمات التي تقاتل النظام على الأرض، وإذا كانت أروقة جنيف قد احتضنت السياسيين، ففي النهاية الكلمة لأصحاب الميدان". تكتيك الفاشلين من جانبه، يشير المنسق العام لتنسيقية الثورة السورية في مصر نزار خراط، إلى أن تصريحات الرئيس السوري بإمكانية ترشيح نفسه في هذا التوقيت هي جزء من التكتيك المعلوم في مثل هذه الحالات، ويقول "هدف من تصريحات المسؤولين في النظام لا تتجاوز كونها وسيلة لرفع سقف التطلعات، وهو ذاهب إلى المفاوضات ويعلم تماماً ماذا كانت مقررات مؤتمر جنيف1". وعن فرص نجاح المؤتمر يقول في تصريحات حصرية ل"الوطن": "أرى أنه يمكن الجلوس مع موسكو وإقناعها باستمرار مصالحها في سورية بعد زوال نظام الأسد، والتباحث معهم في كيفية إيجاد أرضية من المصالح المشتركة، ومنحهم ضمانات بعدم المساس بمصالحهم". ويلقي خراط باللوم على المعارضة في الضعف والتشرذم الذي أصابها وقلل من فاعليتها، ويقول: "المعارضة تعاني من خلافات عميقة، كما أن بعض الدول التي تدعم المعارضة لها أجندات خاصة بها، مما أوقع الائتلاف تحت سهام النقد الشعبي في الداخل والخارج. لذلك تجد نفسها دوماً في موقف المتهم، مما يجعلها تبادر للدفاع عن نفسها. وإجمالاً يمكن الموازنة بين إرضاء المجتمع الدولي والحفاظ في ذات الوقت على تماسك المعارضة، عن طريق إشراك أكبر قدر من المعارضين الذين يقاتلون على الأرض داخل سورية، وألاّ تقتصر المشاركة على الفاعلين في الائتلاف فقط، حتى يتحمل الجميع مسؤولية القرارات التي سيتم التوصل إليها. كذلك ينبغي تنشيط قنوات التواصل مع الذين يعارضون المشاركة، حتى لا يشعرون بالتجاهل، مما قد يدفعهم للاتجاه بعيداً عن الائتلاف، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف المعارضة وتشرذمها، الأمر الذي سيصب في صالح النظام. تطلعات مشروعة رغم كل ما سبق، فقد انطلق المؤتمر، وأصبح حقيقة، لا يمكن إنكارها، إلا أن الأهم هو إمكانية ممارسة المجتمع الدولي لضغوط حقيقية على النظام السوري، تدفعه إلى الاستجابة لمطالب المعارضة، والكف عن ممارسة القتل وابتداع أساليب لسحق شعبه، تارة عن طريق الأسلحة الكيماوية، ومرات بالبراميل المتفجرة، لا لسبب جناه، إلا لأنه أراد انتزاع حقه في العيش بكرامة، ونيل حقوقه التي أقرتها المواثيق الدولية. وفي ذات الوقت إقناع الدول التي لا تزال تدعم هذا النظام بالتوقف عن ذلك، وإدراك أن المصالح المادية والاستراتيجية، مهما علا شأنها وتعظم أمرها، لا تسوغ لها الاشتراك في إبادة شعب أعزل، وقتل المدنيين والنساء والأطفال، وتشردهم من ديارهم.