بصوته المتخَم بأطياف المساريب التهامية قديمةً كانت أم حديثة.. تسللت حمَى تهامة في حلم ليلة يغشيها النعاس، وفراش من مرض.. وليل أُقاسيه طويل الكواكب.. تلك الحمَى واعدتني نهاراً، وخانتني ليلاً حين قالت لي إن الشعر أجمل في مساءات تهامة.. وكبَلَتني بقيود السقم، الألم.. طريحاً ينتظر صبحاً كصبح بشار بن برد.."أم الدهر ليلٌ كله ليس يبرح".. يفتك بي الوجع والسُعال كلما نازعتني نفسي لهوى تهامي.. وكلما غازلني "سهيل أميماني"..؟! وكلما تمازجت الأرواح في لوعة النشوة، والقلوب الخضراء.. وكأنها تنادي التشبث باللحظات المليئة بالتيه.. فتيلاً يسوقنا نحو الخروج عن النصوص لضرورة شاعرٍ قرأ كثيراً تجاعيد تهامة.. وفتيلاً متمرداً على واقعية الرتابة، وعادات القبيلة، والعيش في عزلةٍ من تاريخ سحيق..؟! فتيل زاه يبث فينا أصالة تهامة قاطبة.. تمرد يجعل القلوب تسابق الأقدام اتصافا، والتصاقا في دمَة مفتونة بشاعرها الصنيدلي تجتمع شهوات الكلمة معنى، ولفظاً غوايةً، وحسناً، وعناقاً، وانسجاماً.. وقريناً يخطو به ميادين التحدي.. يتصدر تلك الصفوف.. يجوب بفكره بحور من الشعر. يمعن النظر طويلاً، ويطوف بعصاه تباريح المكان، وكأنه أراد أن يقول للمساء شيئاً..؟! ليسد فم الظلام بدمَة من دم تزداد حسناً حين تولد في مساءات الرحيل.. مساءات تتلوى في نبرات، وسحنات الصنيدلي الفتيَة.. وزلزلةُ تنادي قداسات النهايات.. وكأنها طعنة غادرة غائرة.. لم تمهله بقايا الشحوب، ولملمة قلب يتألم..؟! أتكأ على كتف صديقه فقال له ما قاله قرينه.. أكملوها بقلبي فسأرحل..؟! اعتصبت تهامة بعصابة شاعرها الصنيدلي.. حزناً، وفقداً، ومأتماً.. رحيلاً رأت أنها قد وأدت صوتها في أعماقها غربةً، وفراقاً مديداً.. واحتزمت بحزام شاعرها الصنيدلي.. شكيمةً، وفحولةً، وشاعريةً أخالها جناً لهول ما تنطق به.. عصاها التي تسطيل مع قصائده، فكم ضربت في الأرض فانفجرت بحوراً من تراتيل تسبح باسم ربها العظيم.. وحياً من صنيدليات تطرق آذان تهامة كلما ازدادت بها اللوعات، والحسرات، وكلما جنَ عليها صوت الصنيدلي.. وكلما ازدادت بها أفواج العزاء، وأوقدت أفئدة الزمان، وعيون المكان، وذاكرة التاريخ التي لم، ولن تنس أنينها.. حين تجتاحها نوائب الدهر، وفجيعة كسحاب أسود لا ينفك يذكره شروقاً، وغروباً.. يخفت صوت الصنيدلي فتتوشح جبال تهامة الحداد.. رأيت تهامة تلتحف بلحافك الدريهمي، وكأنها قرأت نظراتك الأخيرة..عظمة، وأنفةً، وكبرياء الشاعر العربي الأصيل.. وفي حشرجات تهامة قرأت أن قصيدة الشتاء لا تكتمل .. وأن بطلها لا يكمل شطرها الأخير.. وفي الشتاء تصاب تهامة بالحمَى، ويسقط شاعرها سقوطاً للأمام.. فالقمة لا تعرف الوراء.. وفي الشتاء تحنو القصيدة الفاتنة لشاعرها، وإن رحل؛ كي ترثيه تهامة نبضاً يتنازعه العالمين.. وحين تباعدت به السنون عرفنا حينها أنها يد المنون.. شطراً قاله شاعر تهامة الصنيدلي، وشطراً يسهر الخلق جراه ويختصم..؟! ومضة: رحيل أشبه بخشبة مسرح تلقى عليها قصائد الرثاء.