عبدالله المحسني لا أعرفه.. وما دلني على موته إلا - تقنية الأرض- تأكل من صوته.. لم أك ذا حظ عظيم فيتلقفني شيطان المساء القاضي ليغرسني في الصف الأول، وفي خانة العشاق المرددين للوحي المعقود بالنهاية.. نشوات الخواتيم لا يصيبها الخفوت وتعلو للسماء.. مؤكد كنت سأتولى منصب العشق ولو لليلة لو حالفني مساء طروب لنادل النشوة، ولكيّف الفرح، ولباعث الوجد للأفئدة الخضراء التي لا تعرف الخريف.. كنت سأزهر بالشعر، ويثمر قلبي بالدمة الأخيرة. خر الجبل صعقا.. لم يسقط إلى النهاية، فمن يكن الشعر له قريناً فلا نهاية له.. كأنه لمّا يزل ويكمل ما بدأه.. كأنه لا يزال يجيء ويذهب غير بعيد، ويخط بعصاه القافية القادمة، ويجلد شيطانه المتمرد ليتدفق عليه نغماً يمكث نبعاً لا ينضب لقلوب مصابة بالظمأ.. كان يستأذن ربه، ويستعينه ليبهج، ويسقي المسافرين إلى الطمأنينة، والقادمين من حلقات الحياة المجوفة. لم يكن الشتاء رحيماً، ولا عادلاً.. كان يحمل بعض الضغينة له... أسقطه غدراً ولم يخبره بأنه سيأتي له من خلف الفرح.. لا بأس، هكذا يكون قدر جبال تهامة حين تنسف بعد الصمود.. كان الشتاء بئيسا إذ أخفى السكرة في قلب القصيدة.. تباً للحظة فرح لا تكتمل..! كان يمنحنا -الصنيدلي- فرصة رائعة للتعبير عن مكنوننا، والخروج من التشرنق الروحي المتجمد للتلذذ بدفء حطب الشعر الذي ينساب فيبعث الحميمية، والذكريات المتوضئة بالطهارة والنقاء. كان -الصنديلي- يدعونا للتجديد والثورة على النفس التي استبدت بها الحياة غير المختارة، وأوشكت أن تجعلها جسداً دائم العلات.. في المساءات الملونة كان يوحي لها فيدهشنا بحسن اختياره لونا واحدا فقط، هو الذي يحيط بالأرواح قلائد السعادة والأنس والنشوة والريحان والعصابات التي تتلف الحسرات.. كان يمازج أرواحنا بالكلمات، وبالحب الذي تماهيه المدن والخطايا.. حالات عشق مكسوة بالفأل قدمها لنا في مسامرات لا تنضب من الفتن اللطيفة. في المساء الذي هوى به في ساحة الريحان والفل كانت عين القمر التي أبهرها قد أصابته إذ أحبته فقتلته.. لم يذكر القمر -اسم الله- فلم تكتمل القصيدة! وكانت السماء تحاول إنعاش الشعر من حجر العين اللوامة فلم تستطع فدثرته وتلت مع غيثها الفاتحة. لا أنكر شعوري بقداسة بعض النهايات التي تتوج رسائلنا في الحياة، وتأتي ونحن بفعل الممارسة.. شعوري يشبه تماماً الفضيلة، والبركة والتي أظنها.. فليس على الشاعر أن يأتيه الفناء وهو يصلي في المحراب.. كما ليس على الراهب أن يأتيه الفناء وهو يأكل في الأسواق.. الله هو من يختار لنا النهايات التي قد يظن بها البعض السوء، وفكرتها وإخراجها هما اختيار من بيده كل شيء. شطر من القصيد لم يأت بعد.. فكّر به -الصنيدلي- فأتلفه القدر بخياله.. لا بد أن تكمله لنا ولو فيما بعد! وغفا في الشتاء نبض الشعر وستوقظه الملائكة في الفصل الدائم بإذن ربها. يجب ألا نأس على الماكثين في قلوبنا. وألا نعتب على القضاء الذي لا يمهلنا التوثب للحظة الأخيرة..!