كتبت نيللي كريم شهادة ميلادها الفنية في عام 2000 بمشاركتها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في المسلسل الشهير "وجه القمر"، الذي أعاد النجمة الكبيرة لجمهورها بعد غياب طويل، ودارت بعد ذلك عجلة نجومية نيللي، لتتألق في السينما وتحجز مقعدها في الصفوف الأولى بسلسلة أفلام كان النجاح حليف أغلبها. وعادت نيللي للدراما التلفزيونية بعملين مميزين في العامين 2003 و2004 ، وهما "حديث الصباح والمساء" و" العميل 1001 " على التوالي، لتكون من القلائل اللواتي يتألقن في السينما ويسجلن حضورا جيدا في دراما التليفزيون. في رمضان هذا العام يسطع نجم "نيللي كريم" في بطولة مطلقة من خلال مسلسل "ذات"، المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، ومن إخراج كاملة أبو ذكري، وسيناريو وحوار مريم ناعوم، والبطولة لباسم سمرة، وأحمد كمال، وانتصار، وعمر السعيد، وهاني عادل، ويعرض حصريا على قناة "دريم الفضائية". يستعرض المسلسل تاريخ مصر الحديث منذ عام 1952 ، وهو ميلاد "ذات" بطلة المسلسل، وينتهي بيوم 25 يناير ونزول الشعب المصري إلي ميدان التحرير. ومن خلال الفتاة "ذات" التي تجسد دورها الفنانة نيللى كريم، تبدأ الأحداث بمولدها وتنتهي بوفاتها، ومن خلالها يتم عرض أهم مجموعة كبيرة من الحكايات الإنسانية والأحداث السياسية في هذه الفترة بين الثورتين. ما فعلته نيللي كريم في "ذات" تقاطع مع ما أقدمت عليه "منى ذكي" في "آسيا"، لتخرج النجمتان من عباءة السينما بعملين هما الأفضل في دراما رمضان هذا العام. ودور" ذات" الذي تلعبه نيللي يؤرخ لتاريخ المصريين في 60 عاما. توظيف كاملة أبو ذكري لنيللي في العمل كان موفقا للغاية، وكانت تنتقل بين حلقات العمل برشاقة عالية، فكانت "نبيلة" في حزنها على وفاة عبد الحليم حافظ في الحلقة السابعة من المسلسل وولادة طفلتها في شهرها السابع من كثرة بكائها على حليم. وكانت عنيدة بشدة ومتصادمة مع آراء زوجها- باسم السمرة- عقب انتفاضة 77 ضد غلاء الأسعار ضمن أحداث المسلسل وطوال الحلقات، مع تناقض رؤية كل منهما للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تتقلب فيها البلاد. شخصية "ذات" التي سحقتها الظروف السياسية والاجتماعية التي عايشتها وعاصرتها تترجم لواقع المجتمع الذي عانى من "تهميش" طوال ستة عقود، وفي نفسها تختزل تاريخ شعب بأكمله، حطم قيوده مرتين في ثورتين. مسلسل"ذات" المقتبس من عمل روائي تفوق على النص المكتوب ليجعل الحبر الأسود "شحما ولحما" على الشاشة، وهنا تبدو عبقرية الثنائي، السيناريست المتميزة مريم نعوم ومخرجة العمل كاملة أبو ذكرى، وهما من صناع فيلم "واحد صفر" الذي عرض قبل عدة سنوات. ومن أجمل مشاهد المسلسل تداعيات أحداث الزاوية الحمراء بين المسلمين والمسيحيين، وفشل مشروع "الكافتريا" بسببها وانتقال "ذات" لبيع "المخلل"، وشراؤها ماكينة الخياطة، في تتابع يزيد تناسقه وتماسكه روعة التصوير واللقطات الأرشيفية التي وظفت بعناية. وتنتقل الأحداث إلى سبتمبر 1981 وأحداث المنصة واغتيال السادات، وتولي مبارك الحكم وإفراجه عن المعتقلين، وكل ذلك في سياق سرد تاريخي غير ممل ولا مخل. أما باسم سمرة، الذي يلعب دور زوج ذات "عبدالمجيد" فيبدو مختلفا بدرجة كبيرة عن دوره في "الوالدة باشا" الذي يقدمه في رمضان هذا العام، وعن دوره في "آسيا"، وبدا هذا العام أكثر نضجا وتوهجا في الأعمال الثلاثة. من المفارقات أن المسلسل بدأ بثورة "يوليو 1952" وينتهي بثورة "يناير 2011"، ويتم عرضه بعد ثورة "30 يونيو" ليرصد تاريخ وحياة المصريين في الستين عاما الأخيرة، ونجح العمل في خطف الأضواء من أعمال كثيرة حشد لها النجوم ورصدت لها الملايين، ولكن "ذات" ابتعد بالصدارة بعيدا بقصته وأبطاله و"ثوراته" الثلاث. ومن حسناته أيضا أنه أعاد الرواية وترجمها للغة البصرية على الشاشة.