أهالي قرى جبال منجد لايعرفون الضوضاء ولاصخب المدينة، قراهم يكتنفها الهدوء في كل الأوقات، ومنازلهم متباعدة، وطرق قراهم وعرة، وأجسادهم نحيلة لتنقلهم فوق تلك الجبال. قرى منجد التي تربو على 15 قرية، اعتراها الشيب ودب وهم الشيخوخة في جسدها، وظهرت تجاعيد الزمن على طرقها، و لسان حالها يقول "لازلت أبحث عن الماء وعن الطريق المعبد الذي تناسته إدارة الطرق بعدما سلمته لمقاول نهم يتنقل بين المدن والقرى لكسب المشروعات". أما التعليم فقد حرمت فتيات جبال منجد من التعليم الثانوي، وأبناؤهم يتغربون لأجل ذلك في المحافظات الأخرى. وحين يريدون تخفيف آلامهم فليس أمامهم إلا ذلك المبنى الذي اعتلاه شعار وزارة الصحة والذي يعتبر مسكّناً بحد ذاته، ليشعروا بقرب الصحة منهم وخاصة العيادة التي لايستطيع طبيبها الحضور إلا أسبوعياً؛ وقرر أن يوفر بعض المسكنات التي تشبه ما يباع في البقالة الواقعة في أطراف منازلهم، ويتفرع في عمله المتقطع لمنح أطفال القرى الجرعات والتطعيمات. كان وقت مغادرتنا من مدينة جازان قبيل وقت العصر، اصطحبنا المواطن سالم حسن مجهلي بعد أن قطعنا مسافة قرابة 100 كيلومتر مروراً بمحافظة صبيا، ومن ثم سلكنا طريق محافظة العيدابي وصولاً إلى مركز هروب، أقرب نقطة لمركز جبال منجد. أوقفنا سيارتنا وذهبنا مع الدليل سالم المجهلي في سيارته ذات الدفع الرباعي، سرنا عبر وادي هروب والذي تلتقي فيه عدة أودية، وتشل الحركة فيه عند هطول الأمطار وتدفق السيول، على ضفاف الوادي تعمل الشركة المنفذة لطريق جبل منجد، حيث تعمل شهرا وتتوقف أشهرا، وبعد مضي قرابة الساعة وصلنا لعقبة جبل منجد التي تشهد انهيارات كثيرة، وبدأت المعاناة في الصعود؛ فترة تسير بنا السيارة وأخرى تتوقف، وكان في كل منعطف من ذلك الطريق تجد مجموعة من السكان يحملون الحجارة لرصف الطريق حتى تتمكن السيارات من الصعود في الطريق الذي يشهد انهيارات صخرية وتصدعات وانزلاقات باستمرار. وأوضح المواطن حسن قرادي، أن سكان المركز يطالبون منذ عشرات السنين بإنهاء سفلتة طريق جبل منجد، ويعانون من مماطلة الشركة المنتفذة التي مضى على استلامها المشروع أكثر من عامين، فهي تعمل لمدة شهر ثم تختفي المعدات لعدة شهور، وتعود للعمل ثانية ويكون معظم عملها في إصلاح الانهيارات في الأماكن الأولى التي عبدتها، إضافة إلى تجاهل إصلاح الطرق أوقات الأمطار مما يدفع بساكني جبل منجد إلى إصلاح الطرقات على نفقتهم، ويستأجرون معدات لشق الطرق وإصلاحها. ويؤكد المواطن محمد حسين قرادي، أن عدد سكان المركز يربو على 5 آلاف نسمة، حرموا من التعليم الثانوي رغم مطالبهم المتواصلة، والطلاب يغتربون في محافظة صبيا أو المراكز الأخرى للدراسة، أما الطالبات فالمرحلة المتوسطة هي نهاية تعليمهن، لأن المدارس الثانوية بعيدة عنهم، ويتكبدون المعاناة لصعود الجبال والنزول لأجل التعليم. أهالي جبل منجد يقصدون مبنى المركز الصحي لأجل أن ينعموا ولو بشيء يسير من جرعات التطعيم أو المسكنات كما يقول المواطن جابر حسن مجهلي، مضيفاً أن مركز الرعاية في جبل منجد يشهد زحاماً كبيراً ويراجعه مواطنون كثر من قرى متباعدة، إلا أنه أشبه بمركز طوارئ مؤقت؛ فالطبيب يحضر أسبوعاً ويغيب آخر، وربما يكثف من نشاطه هو والممرضة الوحيدة أوقات الجرعات والتطعيمات، حتى يتمكنوا من خدمتهم، أما إذا استدعى الأمر حالة ولادة مفاجأة أو لدغة ثعبان أو عقرب، فما على المصاب إلا أن يدعو الله أن يوصله لمستشفى صبيا قرابة 70 كيلومترا، يسلك من خلالها طرقا وعرة وأودية سحيقة، أو أن يدركه الأجل ويعود به أهله إلى مقبرتهم ليدفنوه. المواطن يحيى الأحمدي يقول إن مشروع السقيا في جبل منجد غير ملتزم بمواعيده، والكميات المخصصة تسقط أحيانا من حساب متعهد السقيا، وتقدموا بشكاوى كثيرة منه، إلا أن الأمر لايزال على حاله. أما المواطن مرعي قرادي، فلم يتوقع أن يفيق من نومه ويجد منزله قد انهار نتيجة جرف الشركة المنفذة للطريق، لينهار منزله في الليل بعد أن هطلت الأمطار بغزارة على جبل منجد. "الوطن" أجرت اتصالاً بمدير إدارة الطرق بالنيابة المهندس جميل حوباني، للسؤال عن طريق منجد، و طالب أن يكون السؤال في خطاب، حتى يتمكن من أخذ المعلومة من المقاول. وتم إرسال خطاب بتاريخ 7 شعبان برقم 936 وحتى يوم أمس لم يصلنا الرد. من جهته أوضح الناطق الإعلامي لصحة جازان بالنيابة حسين معشي، أن مركز الرعاية الأولية في جبل منجد أدرج في الخطة الخمسية المقبلة. وقال مدير عام المياه بجازان المهندس حمزة القناعي، أنه لايوجد أي مشاكل في مشروع السقيا في هروب وجبل منجد وفي حالة ظهور ذلك يتم معالجة ذلك في وقته.