من المؤكد أنه لن تكون هناك كلمات متداولة اليوم في ساحات الأدب العالمي أكثر من كلمة "شعر" و"قصيدة" و"شاعر" وما يتعلق أو يرتبط بهذه الكلمات، حيث تحتفل الأوساط الثقافية ب"اليوم العالمي للشعر" الذي يوافق 21 مارس من كل عام، بعد أن أقرته "اليونسكو" عام 1999 واعتمدته ضمن نشاطها السنوية. ومحليا يبدو أن الاحتفال سيكون خجولا، فعدد المؤسسات الثقافية التي أعلنت أنها ستحتفل به محدود جدا، ربما لغياب الشاعر "السوبر ستار"، حسب وصف الشاعر حسن الصلهبي، مما يحتم التساؤل عن واقع الإبداع الشعري في المملكة، وهل زيادة الإصدارات هذا العام، حسب إحصائية خالد اليوسف، لا تعني بالضرورة التطور النوعي في مستوى القصيدة المحلية؟.. يجيب على هذا التساؤل عدد من الشعراء الذين تواصلت معهم "الوطن".. يقول الصلهبي إن "الشعر في وطننا هو كالشعر في كل الدنيا وفي كل العصور والأزمان"، مضيفا "صحيح أن الهجمة الشرسة للتقنية ووسائل الملتيميديا قد طغت كثيرا على حضوره، إلا أنه ساكن في الوجدان، وسيبقى حيا ما دامت قلوب البشر تنبض بالحب". ويؤكد الصلهبي أن في المملكة "طفرة شعرية لم ترافق بما يليق بها من الدراسات والبحوث النقدية"، لكنه يعيد السبب لما وصفه ب"أفول الشعر" إلى "أفول ما يمكن تسميته بالسوبر ستار الشعري، وهي ظاهرة طاغية، ليس في مشهدنا الشعري المحلي ولا العربي، فحسب وإنما هي ظاهرة عالمية اتسعت رقعتها بعد سطوع نجم الحداثة وما بعد الحداثة، حيث لم يبرز من الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم شعراء حظوا بما حظي به من كان قبلهم، ومع كل هذا التراجع إلا أن الاحتفال بالشعر سنة جيدة، خصوصا عندما نحتفل مع العالم فيما نتشارك فيه إنسانيا وثقافيا وحضاريا" . ويعلق الشاعر جاسم الصحيح على الأمر بلغة الشاعر فقط، حيث يقول" الشعر هو قوة احتضاننا للحياة وإيماننا بها.. الشعر هو سلاح مقاومتنا للموت عبر اللغة.. وما دمنا نحتضن الحياة ونقاوم الموت يبقى الشعر شعرا، ونبقى نحتفل به غدا وبعد غد وعبر كل أيام العمر". أما الشاعر إبراهيم زولي فيبدو أنه غاضب على بعض من يقول بموت الشعر، حيث يصرخ في وجوههم "ليست هي الخيبة الأولى، أو النكسة الأخيرة، عندما يعلن بعض مثقفينا عن موت الشعر، ونشوء زمن الرواية، هكذا دون أي منطق نقدي، أو رأي حصيف"، مضيفا "هذه القرون الضاربة بصلابة في التاريخ من شعرنا العربي، لا يمكن لها أن تذهب أدراج الرياح، فإذا كانت مدونة السرد في الغرب بدأت قبل الميلاد، إلا أن أحدا من منظريهم لم يقل بموت الشعر، ونحن لم تظهر الرواية في أدبنا العربي كفن متكامل بشروطه إلا قبل قرن ونصف في أكثر الأقوال تفاؤلا، ومع هذ نسعى محمومين إلى فكرة القتل، أو موت الشعر"، ويستطرد "هذا التعايش، وقبول الآخر الذي يدّعيه المثقف، إذا ضاق به أفقه بين الفنون والآداب، فهو فيما سواها أضيق.. كلّ هذا الضجيج لا يمنح الشعر إلا مزيدا من الشرف والزهو، وتناسل شعراء آخرين من فم العاصفة". وبنظرة سريعة على بعض الجهات التي ستحتفل اليوم بالشعر، يبرز نادي جدة الأدبي من خلال استضافته 5 شعراء من مختلف مناطق المملكة لإحياء أمسية شعرية، هم حسن السبع، وعبدالمحسن يوسف، وعلي الأمير، ونايف الجهني، وسعد الهمزاني، بينما يتولى رئيس منتدى عبقر الشعري الشاعر عبد العزيز الشريف مهمة إدارة أمسية شعرية تجمع الشعراء الخمسة في قاعة "الشربتلي" المخصصة للاحتفالات. وقال رئيس نادي جدة الدكتور عبد الله السلمي: النادي حريص على المشاركة في المناسبات العربية والدولية المتعلقة بالثقافة والأدب، فنحن جزء من المنظومة الثقافية العربية والعالمية، ولدينا اهتمام بهذه المناسبات الدولية. من جهته رأى عبد العزيز الشريف أن دور المنتدى هو اقتراح أسماء الشعراء المشاركين، وقد رفعت لرئيس مجلس إدارة النادي بناء على مقترح من مجلس الإدارة بالإعداد لهذه المناسبة العالمية. ووجهت المديرة العامة ل "اليونسكو" إيرينا بوكوفا، رسالة بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يحتفل به للمرة الثالثة عشرة هذا العام، حيث أكدت أن الشعر يمثل أحد أنقى أشكال التعبير عن حرية اللغة، وهو عنصر مكون لهوية الشعوب، كما أنه يجسد الطاقة الإبداعية للثقافة من حيث قدرتها علي التجدد المستمر، وتنتقل الحداثة التي يتميز بها الشعر من جيل إلى جيل من خلال النصوص الخالدة التي كتبها كبار المؤلفين، والأعمال التي كتبها شعراء مغمورون. وأشارت بوكوفا إلى أنه يتعين علينا نقل هذا التراث، أي التراث الذي خلفه هوميروس ولي باي وطاغور وسنجور وآلاف غيرهم، بوصفه شاهدا حيا على تنوع البشرية الثقافي.