مع اقتراب شهر رمضان، نشبت حرب إلكترونية ما بين أكثر من 23 حملة على شبكة التواصل الاجتماعية "فيس بوك"؛ تدعو 15 منها إلى مقاطعة البرامج الرمضانية، بينما تشجع 8 حملات على متابعة تلك البرامج وتعلن مواعيد عرضها في القنوات الفضائية. ووصل عدد من تبنوا تلك الحملات على شبكة "فيس بوك" أكثر من 40 ألفا -حتى ساعة إعداد هذا التقرير- امتدت حملات مقاطعة البرامج وما يعارضها من حملات مشجعة إلى منتديات الشبكة العنكبوتية وانتقلت أيضا عبر أجهزة اتصال "بلاك بيري". وفيما ارتبطت "البرامج والمسلسلات الخاصة برمضان" بعادات المجتمعات الإسلامية والعربية وممارساتهم خلال يومياتهم الرمضانية، وصف 23 ألفا و651 عضوا معارضا تلك البرامج الرمضانية بالسلبية والزحف المتجدد كل عام لجيوش المسلسلات والبرامج الترفيهية المختلفة -وحسبما يرون- أنها تُلهي الصائم عن عبادته؛ مشيرين إلى استخدامهم لوسائل دفاع مضادة لتلك المسلسلات من خلال الإعلان عن مواعيد أشهر البرامج الدينية، مبررين ذلك بما وصفوه ب"إيقاظ أمة الإسلام من غفلتها"، وقالوا "إنهم سيجعلون رمضان كما يريده منا الله، لا كما يريده هؤلاء الذين يحاولون جاهدين أن يحرمونا من فضل هذا الشهر الكريم"، ووحدوا شعارهم تحت مسمى "رمضان السنة هذي غير أي رمضان". وقال العضو المشارك في حملات المقاطعة محمد أبو جلال "أعتقد أن الصحابة كانوا يستبشرون جدا بشهر رمضان لسبب واحد أنه شهر العبادة، وشهر جبال الحسنات، وشهر الحصاد، وهو الشهر الذي عن طريقه يتم جمع ملايين الحسنات" . ورأى أبو جلال أنه " يجب علينا ألا نضيع هذا الشهر في المسلسلات والبرامج والأكل، ونضيع أكوام وجبال الحسنات". توافقه بالرأي هبة أسد قائلة "فعلا والله، الناس تتناسى شهر رمضان والنسك التي يجب أن تقوم بها، وينتبهون للمسلسلات والبرامج الرمضانية، والمصيبة أنهم ينتظرون رمضان لكي يتابعوا هذه البرامج والمسلسلات التى تجعل الناس تسهو عن ذكر الله، وعن أداء فرائضه". ورأت هبة أن هنالك مشكلة أكبر في تأخير الصلوات لمتابعة مسلسل, متسائلة "لماذا لا ننتهز الفرصة فى شهر رمضان الذي تكون فيه الحسنة بأضعاف أضعاف أضعاف الحسنات العادية؟". بالاتجاه المقابل، رأى 16 ألفا و453 شابا وفتاة تبنوا الحملات المشجعة والمعلنة عن مواعيد البرامج والمسلسلات الرمضانية، عدم وجود إشكالية في متابعتها، بل طالبوا بتحديد مواعيد بثها، حتى يتمكنوا من نقدها وتحليلها في صفحات الشبكة العنكبوتية. وأكدوا أن المناقشة ستتضمن متابعة الأخبار والبرامج والمسلسلات من أعمال عربية أو خليجية، إلى جانب ترشيح أفضل المسلسلات والبرامج في رمضان 2010 حتى آخر أيام عيد الفطر. وعلق أحد الأعضاء المشاركين في الحملة مصطفى حسين، مؤكدا أن الغرض من متابعته هو التصويت لأفضل مسلسل، قائلا "يا جماعة لننتظرأفضل مسلسل لنصوت له". وما بين الحملات المقاطعة والمؤيدة، وصف أستاذ كرسي الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد البروفيسور عبدالله الرفاعي في تصريح إلى "الوطن" ما يحدث من تبن لحملات مضادة لبعضها، واستثمار وسائل الإعلام الحديث ب "أمر إيجابي"، مشيرا إلى أن انتشارها في المملكة أكبر دليل على أن المواطن السعودي بدأ بالتفاعل والتعبير عن رأيه بالفعل، وهو جانب مطلوب ليكون للجمهور رأي وفق المعايير المطلوبة والمسموحة وفق "التعبير السلمي". ولفت إلى بداية بروز تلك الحملات بقوة على الشبكة العنكبوتية بعد أحداث كارثة سيول جدة، موضحا أن ذلك دلالة على ظهور طبقة كبيرة متفاعلة مع وسائل الإعلام الحديث من الشباب والفتيات؛ مشيرا إلى أن التفاعل الإلكتروني أسهل وأسرع طريقة للتعبير عن آرائهم وطرح المواضيع المتعددة. وطالب المتلقين بتقبل الرأي والرأي الآخر، منبها بألا يضيق البعض ذرعا من هذه الحملات أو الآراء لأنها من حق أي شخص، وقال "إنها جزء من التطور والتقنية والإعلام الجديد، فهي سمة من سمات الحياة الديمقراطية". وفي ظل اختلاف التوجهات والأفكار، أكد الرفاعي أن الغلبة ستكون لأكثر الأطراف إقناعا وأقواها حجة، ونبه أن فاعلية استغلال البعض للحملات بالتطوير والتوجيه الصحيح مقابل ظهور حملات تبتغي عكس الاتجاه، تتوقف على مدى وعي المتلقي بحداثة وسائل الإعلام الجديدة، وكيفية استغلالها بشكل صحيح. وشدد على مطالبة الجميع بمراقبة ذاتهم، وتأكيد مسؤوليتهم الشخصية، وعدم الإساءة لأمن وعقائد وحياة الآخرين، أو قذف الشخصيات بغير وجه حق، وعلى المخطئ تحمل مسؤولية أفكاره. وفيما حذر من عدم تجاوز الخطوط المتفق عليها إنسانيا في كل مكان، أوضح وجود عقاب ينتظر كل مخطئ، فليس كل ما يكتب يسمح بنشره. ورفض الرفاعي نظرة بعض الإعلاميين التقليديين ووسائل الإعلام التقليدية لمثل هذه الحملات بالتوجه السلبي؛ مشيرا إلى أن السبب الرئيس لتلك النظرة التقليدية هو الانغلاق الفكري، خاصة تجاه ما تتضمنه موضوعات مثل هذه الحملات. وبرؤية فنية للموقف المضاد للمسلسلات والبرامج الرمضانية، قال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور مساعد بن عبد الله المحيا "غدت تلك المسلسلات وجبة رئيسية للأفراد مضافة للوجبة التي يتناولها الصائم كل يوم"، موضحا أن حملات المقاطعة "لا تعدو أن تكون مجرد رغبات"، رجح أن تنجح لو كانت في بيئة صغيرة، ورغم تدافع حملات المقاطعة، أوضح المحيا أن إنتاج المسلسلات والبرامج الرمضانية ما زال رائجا ومتابعا من قبل الجمهور؛بشرط وجود الجانب المهني والمميز للعمل الدرامي.