ربما لا يبدي بعض المثقفين والمبدعين، كثير اهتمام بملتقى رؤساء الأندية الأدبية الذي تستضيفه الأحساء بعد غد. فبين محاولة التوفيق بين مشاريعه الثقافية الخاصة ودعمه للمشروع الثقافي العام يقف المثقف السعودي حائرا، انطلاقا من رؤية أن الهم الثقافي العام يحتاج من كل مثقف وأديب إلى الاضطلاع بمسؤولياته، وألا يتقوقع على نفسه ويشغله همه الثقافي "الخاص" عن "الهم العام". لكن كيف يوفق المثقف بين مشاريعه الثقافية الخاصة وخدمة الشأن الثقافي العام؟.. "الوطن" أطلقت السؤال ورصدت تباينا في الاهتمامات وهما واحدا في آن!. فرئيس نادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر الشهري الذي يستضيف ناديه الملتقى يرى أن الهم الثقافي الذي يشغل باله جزء مما يشغل غيره من المثقفين، وإن كانت المسؤوليات التي تحملها في الجامعة أو في النادي تفرض عليه واجبات كبيرة. وتابع الشهري: إذا كنت فعلا أريد أن أقدم المفيد لطلابي وطالباتي بما يرضي الله أولا، ثم بما يحقق الأمانة تجاههم، فهم عدتي وهم رصيدي الحقيقي في مشوار حياتي، فإن خدمة المثقفين والمثقفات في الأحساء بحكم موقعي في النادي يضيف عليَّ أعباء كبيرة، وأقولها صادقا: إن العمل في الأندية الأدبية هو مغرم وليس مغنما، لأن إرضاء المثقفين غاية بعيدة المنال لأسباب عديدة ليس المجال هنا مجال استعراض لها، باختصار شديد ما يشغل بالي الآن هو أداء الأمانة بصدق وإخلاص حتى أخرج منها نظيفا سالما كما قال الشاعر: على أنني راض بأن أترك الهوى وأخلص منه لا عليَّ ولا ليا الشهري لا يتردد في الإشارة إلى أن المشروع الثقافي عاما كان أو خاصا هو همٌّ في سياقاته المعرفية على مستوى الفرد والمجموع، وإذا أيقن المثقف أنه لا يعيش لذاته فقط عندئذٍ لا تشغله مشاريعه الثقافية الخاصة عن دوره في منظومة المجموع العام، لأن المثقف أمين على منجز الأمة الثقافي، وهو جزء من صُنَّاع الثقافة وتوجيه الأمة، المثقفون قادة فكر لا بد أن يعوا هذه الحقيقة، ويعملوا في ضوئها لا أن يعيشوا في أبراجهم العاجية، ويصدروا الانتقادات والتهم دون أن يكون لهم دور في صياغة الثقافة والوعي المتزن للأمة، وعندئذ تخلو الساحة لأدعياء الثقافة. وأعتقد أن نتاج المثقف سيكون مؤثرا، وقادرا على استقطاب المتلقي إذا تخلى المثقف عن نرجسيته، واستشعر مسؤولية الكلمة، وأمانة الحرف بعيدا عن السعي وراء الشهرة المزيفة الوقتية، الجميع يعرف أن الكلمة أمانة ومسؤولية، وليست ترفا ولا وجاهة اجتماعية، ومتى استشعر المثقف هذه الحقيقة كان نتاجه مؤثرا. أما رئيس نادي نجران الأدبي سعيد آل مرضمة فقال إن الهم الذي يشغله على المستوى الخاص هو الانتهاء من بعض المؤلفات الأدبية؛ كروايته "سقوط رجل"، وأوضح أن الهم الثقافي العام بحكم رئاسته لأدبي نجران رعاية الناشئة من أبناء منطقة نجران بتأهيلهم وتوفير كل ما يحتاجونه، ممن لديهم مواهب أدبية في الشعر أو في النثر والسرد مضيفا بأن الهم الآخر هو إيصال مهرجان قس بن ساعدة إلى العالمية بمساعدة كل غيور على الثقافة والأدب. وبين آل مرضمة أن نتاج المثقف يكون مؤثرا في الساحة الثقافية عندما يطرق المثقف الواعي في إنتاجه أفكارا جديدة تواكب العصر، أو ربما يكون إنتاجه بوابة للمستقبل في مجال ما لم يتحدث عنه أحد، وأن يتضخم ذلك الإنتاج بثقافة عالية في ثنايا طرحه لكل موضوع يطرق، بحيث ينبغي على المثقف أن يكون مرآة صادقة لمجتمعه، يغوص في همومه، ويفاخر بمنجزاته، فيكون لسان حال الواقع الملموس. وأشار إلى أن المشروع الثقافي الذي لا يراه الجمهور هو من نتاج ذلك المؤلف في عدم طرحه ما يشد القارئ ويلامس مشاعره وكيانه؛ إذ تفتقر بعض المشاريع الثقافية ما يريده المثقف والأديب ويصبو إليه، وقد يكون سبب إخفاق ذلك المشروع عدم التسويق. وتساءل الشهري ما الفائدة من أن يعتكف المثقف أو الأديب على مشروع لا يرى النور؟ أو يضيِّع وقته وجهده في عمل يبقى حبيس الأدراج؟ العمل الثقافي همٌّ ومسؤولية، ومن يتصدى له لا بد أن يضع في اعتباره المجموع العام وليس الفئوية أو الذاتية. آل مرضمة يكشف عن التوفيق بين مشاريعه الثقافية الخاصة ودعمه للمشروع الثقافي العام بالتنظيم والتخطيط والتعاون، المثقف يتوقف لإعادة ترتيب أوراقه عند التغيير في الفكر، بما يناسب أرض الواقع، لأنه من الصعب أن نطرق بسندان الفكر التقليدي، أو إعادة لبعض البرامج أو المشاريع التي لم تخدم المجتمع، فلا بد من مواكبة كل جديد، مضيفا بأنه غالبا كمثقف لا يحتاج لترتيب أوراقه، لأنه يحاول أن تكون بدايته مرتبة ومتدرجة، مشيرا إلى أن نجاح العمل القادم يترتب على أوراق العمل الحالي، فيسير مرتبا منذ البداية ليصل إلى مرافئ النجاح بأيسر الطرق. القاسمي: تهميش المثقف أنتج أمة غير متجانسة رئيسة مجلس إدارة "شبكة صدانا الثقافية" أسماء سلطان القاسمي ترى أن الإنتاج الفكري الإنساني يساعد على بلورة العديد من المؤشرات العامة والخاصة عند الشعوب حيث يساهم المثقف في إغناء المشهد للأمة، التي كانت أمة مؤمنة بلغة الحوار والتواصل مما شكل عصورا ذهبية، بعكس ما نراه اليوم من تهميش كبير لدور المثقف لتصبح الشعوب في واد ومثقفوها في واد آخر الشيء الذي أنتج لنا أمة غير متجانسة. وتشير القاسمي إلى أن النتاج الثقافي له تأثير مباشر على الساحة الثقافية، وترى أن بعض المثقفين والأدباء فرضت عليهم العزلة والابتعاد بسبب التهميش فلو وجدوا الدعم المعنوي والمادي لما انزووا خلف الجدار، إنها مسألة تجعل من المثقف العربي آخر اهتمامات الدولة، فأنتجت عنصرية الدم والفكر ولغة التشنج والقتل وهذا الأمر أثر بشكل عام في مسار الأمة. وأضافت القاسمي: "مثلي مثل جل مثقفي الأمة ممن اكتووا بنار الفقد الفكري الذي نحياه في صمت، ولكني ممن لا يخضع بسهولة لما يعاند فكري بل أحاول جاهدة أن أتمم مشاريعي الثقافية التي أومن بها وأشجع كل الطاقات الإبداعية والثقافية التي أراها تستحق التشجيع، ولعل خير دليل على ذلك مشروع الموسوعة الكبرى للشعراء العرب لصاحبته المغربية فاطمة بوهراكة حيث لم أتردد لحظة في دعم المشروع، لأنه مشروع عربي غايته توحيد العرب ولو شعرا. ورأت القاسمي أنها لا تعتقد أن لكل مثقف مشروعا ما يشتغل عليه فالمشاريع الخاصة تكون لأشخاص معدودين لأن همهم أكبر من تحمله لذلك فإن الأغلبية تفضل أن تنخرط في المشاريع العامة لأنها لا تأخذ من تعبهم وفكرهم وعمرهم الشيء الكثير، المشروع الثقافي الفردي يجبرك على التضحية بأشياء كثيرة، أما باقي المشاريع الصغرى كطباعة نتاجهم الشخصي فهذا يدخل في صميم وجودهم.