"سمعنا دوي انفجار قويّ إلى جانب بيتنا، في بستان الليمون. خرجت بسرعة برفقة أخويّ عوض وإبراهيم وابن عمي إسماعيل الذي كان يزورنا. خشينا من أن يكون الصّاروخ قد أصاب حظيرة المواشي ورغبنا في التأكّد من سلامتها. لم يفكر أيّ واحد منا أنهم سيقصفون المكان مرة أخرى" .. هكذا بدأ ناهد حمدي حسن النحال (31 عامًا) وهو مزارع من سكان رفح جنوب قطاع غزة، شهادته عن روايات الرعب في غزة أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة. وأضاف ناهد: "أخي عوض كان أكثر سرعة منا وسبقنا بعدة خطوات. أنا وإسماعيل ذهبنا وراءه. تقدمنا إلى الحظيرة ورأينا هناك ثلاثة أشخاص مصابين. اثنان منهم كانا ميتين. الثالث كان مصابًا وحاول الركض والابتعاد عن المكان. رأيت أخي عوض يحاول مساعدته. فجأة سمعت صفيرًا قويًا ورأيت قنبلة أخرى تقع على بعد عدة أمتار من أخي والرجل المصاب. وقع انفجار وأصابت الشظايا رأس عوض وصدره. لقد قُتل على الفور. كما قُتل الشخص المصاب أيضًا. أصيب أخي إبراهيم بشظايا في رجله وكتفه، كما أصيب إسماعيل بشظية في قدمه. قامت سيارة إسعاف بنقلهم مع جثث القتلى إلى المستشفى. لم تكن إصابات إبراهيم وإسماعيل خطِرة وقد غادرا المستشفى من وقتها". ويقول المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) وعدة مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية، إن الغالبية من الفلسطينيين الذين استشهدوا في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة هم من المدنيين، وسقط خلال العدوان 116 شهيدا و885 جريحا. 1500 غارة وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه نفذ 1500 غارة على مواقع فلسطينية خلال 8 أيام من الحرب، مشيرا إلى أن الفصائل الفلسطينية أطلقت 1506 صواريخ على أهداف إسرائيلية من بينها 875 سقطت في مناطق مفتوحة و58 في مناطق مأهولة و421 تم اعتراضها من قبل القبة الحديدية و152 تم الفشل في إطلاقها. ومع ذلك يقول مراقبون ومحللون إن الجيش الإسرائيلي يتعمد إخفاء كثير من المعلومات عن الهجمات الصاروخية لأغراض استخبارية خشية تمكين الفصائل الفلسطينية من معرفة المناطق الحيوية أو السكانية التي تم استهدافها. غير أن مواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه الجوي والبحري، وفي الأيام الأخيرة من العدوان المدفعي، على الفلسطينيين وبخاصة المواقع السكانية الفلسطينية في قطاع غزة، الذي يعتبر الأكثر كثافة بالسكان عالمياً آخذاً في الاعتبار المنطقة الجغرافية الضيقة التي يعيشون بها، تسبب بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين وترك ذكريات لا تنسى لدى العدد الأكبر من السكان الذين بقوا أحياء. كآبة وخوف وتنقل منظمة "بتسيلم" عن سناء زعانين (28 عامًا) متزوجة وأم لثلاثة، من سكان بيت لاهيا، قولها في وسط العدوان الإسرائيلي على غزة: "أنا أعيش في مركز بيت لاهيا مع أولادي الثلاثة وأعمارهم خمسة وستة وتسعة أعوام. زوجي صابر زعانين. الوضع كئيب ومخيف جدًا. الأولاد خائفون وقلقون، خصوصًا ابنتي رغد، ابنة السّادسة. في كل مرّة يتجدّد القصف يكاد يُغمى عليها من شدة الخوف، خصوصًا أن القصف يجري بالقرب من بيتنا. وقد حصل هذا مرات عدة. في المرة الأخيرة، قصفوا حيّنا من عدة اتجاهات وسُمع دويّ هائل. أنا أحاول طيلة الوقت تهدئة الأولاد وأن أجعلهم يعتقدون أن التفجيرات بعيدة وأنها لن تؤثر علينا. ولكنني في داخلي أموت خوفًا، خصوصًا لأنّ زوجي ليس معنا. أنا خائفة جدًا على سلامة الأولاد وسلامة زوجي. أنا أخاف من حدوث أمر سيئ حين لا نكون معا. أنا أحاول منح الأولاد كلّ ما يطلبونه لأنني أشعر بأنّني أتحمّل مسؤولية مزدوجة كون زوجي غائبًا. أنا لا أتحرك إلى أيّ مكان من دون أن آخذ أولادي معي، رغم أن هذا خطير- فقد يصيبنا مكروه جميعًا. هذا أفضل من إبقائهم وحدهم خائفين ومرعوبين. وإذا حصل لهم شيء وأنا لست إلى جانبهم فإنني لن أغفر لنفسي أبدًا". منع تجول وتضيف زعانين "الليالي طويلة وفظيعة. أظلّ صاحية طوال الليل. كيف يمكنني النوم وأولادي خائفون؟ عندما أسمع دويّ التفجيرات طيلة الليل أحاول تهدئة الأولاد وحمايتهم. الناس يحاذرون التجمّع في مجموعات، لأنهم يخافون من أن تهاجم إسرائيل أيّ تجمّع للناس، مثل الحرب السّابقة. الجميع يفضل البقاء في البيوت قدر الإمكان. لهذا، فأنا لا أكاد أذهب إلى بيوت الجيران. الشوارع شبه خالية وكأنّ هناك منعَ تجوّل. في كلّ مرة يحدث فيها قصف يهتمّ الناس بأقربائهم ويتأكّدون من أنهم بخير". وتختم زعانين"أنا أخفي مخاوفي بسبب الأولاد، لكنّ مخاوفي وقلقي على الأولاد وعلى زوجي وأهلي تزداد في الليالي الطويلة". دمار وضحايا وقد لحقت أضرار بحوالي 1500 مبنى في غزة وتم تدمير 231 منزل بالكامل، في حين وصل عدد الضحايا المدنيين لأكثر من 140 شخصا على أقل تعديل وفقا لإحصائيات مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). وقال مدير عمليات وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة روبرت تيرنر "إن شعب غزة دفع ثمنا باهظا خلال أيام الصراع القليلة الماضية، ونحن نعمل بجد لتقديم الدعم العاجل للمشردين والمحتاجين والمصابين". وقد أطلقت "أونروا" مناشدة طارئة تهدف لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في غزة على مواجهة عواقب العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع. وطلبت في مناشدتها أكثر من 14 مليون دولار لتوفير الاحتياجات العاجلة للسكان في غزة. وقالت" الحاجة لهذا التمويل جاءت لتوفير المساعدات الطارئة للأسر التي فرت من منازلها خلال أوقات النزاع، وتشمل هذه المساعدات - المساعدة الغذائية والنقدية والفرش والبطانيات، وسلات تحتوي على مواد التنظيف والصابون والمستلزمات المنزلية الأخرى. كما أن الحاجة الماسة والعاجلة لإصلاح منازل اللاجئين المدمرة وكذلك مراكز الأونروا لتوزيع الأغذية والعيادات التي تضررت تبقي أولوية قصوى إضافة إلى توفير الإمدادات الطبية والوقود وإزالة النفايات والأنقاض هي كمتطلبات ضرورية وملحة". الأثر النفسي بعد الحرب الإسرائيلية 2008 وبداية 2009 عملت كثير من المؤسسات المحلية والدولية على مساعدة آلاف الأطفال في غزة نفسيا للتخفيف من أثار الخوف الناجمة عن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. ولا يبدو الوضع أفضل حالا الآن رغم قصر الفترة الزمنية للحرب الأخيرة مقارنة مع الحرب السابقة. ويقول فتحي شاهين (61 عامًا) متزوج وأب لابنة، من سكان مدينة غزة، "أسكن في مركز مدينة غزة. أنا أعيش مع زوجتي وابنتي وولديها الاثنين الصغيريْن عمرهما ست وثلاث سنوات وزوجها يعيش خارج البلد. منذ بدء الاعتداء على غزة 14/11/2012 لم يتوقف قصف الصواريخ، لا ليلا ولا نهارًا. القصف يزداد في الليل بالذات وتقع الصواريخ في جميع المناطق، حتى في المناطق القريبة من بيتنا. وتؤدي هذه الصواريخ إلى زعزعة أسس البيت ونحن نشعر بأنه على وشك الوقوع فوق رؤوسنا". كل شيء معطل وأضاف في شهادته لمنظمة (بتسيلم) في وسط الحرب "الولدان لا يذهبان إلى المدرسة لأنّ كلّ شيء معطل. وهم يركضون طيلة الوقت في البيت ويشعرون بالاختناق ويطلبون الخروج. نحن طبعًا لا يمكننا السّماح لهما بالخروج لأنّ الوضع خطير جدًا. كما أنهما ينامان مع أمّهما لأنهما لا يريدان النوم ليلا في سريريهما نتيجة لأصوات الصواريخ. وإذا ما أراد أحدهما الذهاب إلى المرحاض فإنه يُصرّ على أن تأتي أمه أو جدته لمرافقته". ويشير شاهين إلى أن "حفيدي ابن الثالثة بدأ بالتبوّل في بنطاله، رغم أنه كان يذهب قبل الآن إلى المرحاض وحده. هناك تغيير كبير في تصرفاته. وهو يلتصق بأمه أكثر وأكثر. وعندما يسمع التفجيرات يتشبّث بملابسها ويبكي ويقول إنه خائف. نحن نحاول تهدئته ولكن ماذا يمكننا عمله ونحن كلنا خائفون، الكبار والصغار على حدّ سواء؟". حديث الصواريخ وأضاف "كما أن حديث الولدين يدور عن أنواع الصواريخ والطائرات. كم يؤلمني أن أسمعهما يتحدّثان عن هذه المواضيع، بدلا من الحديث عن الألعاب أو أمور تعلماها في الروضة أو فعلاها مع أصحابهما. أيّ حياة سيعيشان في ظلّ مثل هذا الوضع. نحن نحاول إلهاءَهما ولفت انتباههما عن الأخبار والحوادث، ولكنّ ما يحدث أقوى. نحن أيضًا نرغب بمعرفة ما يحدث وأين وقع القصف، وما إذا كانت هناك علامات على وقف الاقتتال. نحن موجودون في وضع فُرض علينا ولم نخترْه". أما جهاد سمير أبو دقة، 24 عاما، من سكان عبسان الجديدة، فقال في شهادته للمنظمة ذاتها "أنا أعيش مع عائلتي في بيت من طابقين في منطقة أبو دقة في حيّ عبسان الجديدة في محافظة خان يونس. أنا أسكن في الطابق الثاني مع والديّ، إخوتي العُزب وأخي محسن المتزوج ولديه ثلاثة أطفال صغار. في ساحة البيت مخزن صغير نستخدمه كمطبخ خارجيّ ونخزّن هناك المواد الغذائية ومعدات الخبيز. بيتنا موجود بجانب مسجد "ذو النورين" في عبسان". كل ما يتحرك هدف وأضاف أبو دقة "في الصباح سمعنا صوت طائرات، وبحسب الصوت كانت هذه بالأساس طائرات استكشاف. أمي نجوى (50 عامًا) قالت لي إنها خارجة لتعدّ العجين في المخزن الخارجيّ. قلت لها إن هناك طائرات في السّماء وطلبت منها عدم الخروج، لأنّ طائرة أطلقت صاروخًا الليلة الماضية باتجاه بيت وأصاب امرأة فقتلها. حاولت أن تهدئني ولكنني قلت لها إن الطائرات لا تترك المنطقة، وبسبب وجود الضباب فإنّ أيّ شيء يتحرّك يمكن أن يتحوّل إلى هدف. اقترحتُ أن أذهب إلى المخبز لشراء الخبز لكنها قالت لي أن أتوكّل على الله وأصرّت على الخروج إلى المطبخ في السّاحة لتحضير العجين". وتابع "بعد عدة ثوانٍ على خروجها باتجاه المخزن سمعت صوت انفجار قويّ، فتغطى البيت كلّه بالدخان والغبار. بدأت بالبحث عن والدتي ومناداتها إلا أنني لم أنجح بالعثور عليها. بعد عدّة دقائق وجدتها وهي مصابة إصابة بالغة. بدأت بالصراخ طالبًا النجدة. وصل بقية أفراد العائلة وأخذناها إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس. الآن خرجت من غرفة العمليات. آمل أن تتعافى ممّا حدث لها". وختم أبو دقة: "نحن نعيش في منطقة سكنية، أنا لا أعرف أيّ مبنى أمنيّ في منطقتنا. عندما خرجت أمي إلى السّاحة لم تكن تحمل في يدها أيّ شيء مشبوه. كان من المفروض على الجيش الإسرائيلي أن يميز أنّها مدنية وليست مقاتلا". غمائم دخان الأمر ذاته يتكرر مع عبد الناصر عوني فراونة، 45 عامًا من سكان حي الشيخ عجلين غرب مدينة غزة ، ويقول "أنا متزوج وأب لخمسة أولاد. ابني الأكبر عمره 16 عامًا والأصغر 3 سنوات. نحن نعيش في حيّ الشيخ عجلين في مدينة غزة. أنا أعمل مديرَ قسم الإحصاء في وزارة الأسرى التابعة للسلطة. الوضع في المنطقة المحيطة ببيتنا هادئ نسبيًا لأننا بعيدون عن غالبية الأماكن التي قُصفت، والموجودة في شرق ومركز مدينة غزة. مع هذا، كانت هناك عمليات قصف في منطقتنا أيضًا، ومن ضمن ذلك مبنى وزارة الداخلية، وتوجد في المنطقة غمائم دخان. نحن نشعر بعَصفة الانفجارات ونسمع أيضًا التفجيرات الأكثر بعدًا. جميعنا في وضعية نفسانية صعبة جدًا".