لم يكد ينس سكان قطاع غزة مآسي وفجائع الحرب الإسرائيلية الأخيرة، حتى باغتهم القادة العسكريون والسياسيون الاسرائيلون بتهديدات جديدة توعدوا غزة خلالها بحرب أشد قسوة وهو ما تعود الغزيون أن يأخذوه على محمل الجد حتى لو كانت نسبة حدوثه أقل من واحد في المائة. ماذا تبقى ليأخذوه ؟؟ الحاجة نادية عبد العاطي " 55عاماًُ" مصرية الجنسية متزوجة من فلسطيني ، التقت بها “المدينة” في السوق المركزي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة ، وهي تشتري مواد غذائية متنوعة لتخزينها مثل آلاف الفلسطينيين الذين فعلوا نفس الشيء بعد تواصل التهديدات الإسرائيلية للقطاع مؤخرا، لكنها في الوقت ذاته تتمنى أن لا تتحول هذه التهديدات إلى حقيقة بعد أن ذاقت الأمرين خلال الحرب الأخيرة التي هدم فيها منزلها وبترت ساق أبنها البالغ من العمر 18 عاماً بعد إصابته بشظايا صاروخ أطلقته الطائرات الإسرائيلية على أحد الأنفاق الواقعة على الحدود . وتقول الحاجة نادية " لا مفر من الاستعداد للحرب بكل ما نستطيع حتى لو كنا نكرهها ولا نتمناها ، لان تجربة الحرب مريرة ، ولا يمكن ان تتنبأ بما قد يحدث فيها ، وأنا أخشى على أبنائي التسعة وزوجي من مصائبها ، فنحن حتى الآن نعيش في مكان لا يصلح أصلا للحياة بعد أن فقدت منزلي ، وولدي أراه أمامي بلا قدم فينفطر قلبي ، وأسأل نفسي لماذا يصرون على استهدافنا ؟ ماذا تبقي كي يأخذوه منا ؟ ، الموت والحصار يلاحقانا في كل مكان وعلينا أن نواجههم بما نستطيع". البائع أحمد أبو شعر"57 عاماً " وهو صاحب أحد محال البقالة أكد ل”المدينة” أن هناك إقبالاً ملحوظاً من قبل الفلسطينيين على شراء المواد والسلع الغذائية التى يخشون نفاذها من الأسواق فى حال وقعت الحرب، أو خشية من عدم تمكنهم من مغادرة منازلهم بسبب استمرار عمليات القصف وهو ما حدث سابقاً. ويضيف :"" ما ان بدأت التهديدات الإسرائيلية حتى بدأ الناس في التهافت على شراء الدقيق والسكر والمعلبات وغيرها مما يعتقدون أنهم سيكونون بحاجة ماسة لها أثناء الحرب، فالجميع يعلم أن الحرب يمكن أن تقع فى آية لحظة، وبشكل مفاجئ وغير متوقع!!" السولار والبنزين إذا كنت تستعد للحرب في غزة فإن تخزين السولار أو البنزين مطلب أساسي لا غنى عنه ، فالغزيون يعرفون تماما أن الحرب تعني انقطاعا طويلا للكهرباء قد يستمر بعدد أيامها على الأقل ، وهذا ما فعل أحمد النجار المقيم في مدينة غزة والذي حول جزء كبير من بيته إلى مخزن للسولار و البنزين . يقول النجار ل”المدينة” "لا مجال للاستغناء عن السولار و البنزين في وقت الحرب أو غيرها ، في الحرب السابقة كانت إسرائيل تقصف كل سيارة تحمل السولار و البنزين للناس ، وبدونهما لن نستطيع تشغيل مولدات الكهرباء أو السيارات ، لذلك لا مفر من المغامرة بتخزينهم حتى لو كان ذلك خطير جدا " .سكان الحدود والحرب سكان القطاع الموجودين بالقرب من الشريط الحدودي الذي يفصل بين قطاع غزة وأراضي الثمانية والأربعين لهم هموم أخرى مع إحساسهم بخطر حرب قادمة فهم في خط المواجهة الأول، وقد يكون سبيل نجاتهم الوحيد هو الخروج من هذه المناطق قبل اقتحام القوات الإسرائيلية لها، لأن البقاء معناه الموت أو الاعتقال. أحمد شيخ العيد"24 عاماً" واحد من أولئك الذين يقطنون الحدود الشرقية لقطاع غزة، وهو يحاول مراراً وفى كل عملية توغل للمنطقة أن ينأى بوالدته وأشقائه الذين يتولى هو رعايتهم إلى مكان يبعد بضعة كيلومترات عن منطقة سكناه التي تعتبر من أكثر المناطق سخونة، بعد ان تعرض العشرات من جيرانه للإعتقال أو الموت على مدى سنوات الانتفاضة الثانية . يقول شيخ العيد "لا نملك إلا أن ننام وأعيننا مفتوحة، ففي كل لحظة يمكن أن تعبر الدبابات الشريط الحدودي، وعندها لا نملك سوى أقل من ربع ساعة لنكون قد ابتعدنا عن المنطقة التي تمطر بقذائف الدبابات وطلقات الرشاشات الثقيلة ، فالإسرائيليون يخشون من كمائن المقاومة ، ولا يهمهم في سبيل سلامتهم قتل كل شخص يمكن أن تصل إليه رصاصتهم " لا يوجد شيء على بعد أمتار من منزل شيخ العيد مرت عائلة أم مهدي الهسي بتجربة مريرة مع الجيش الإسرائيلي تجعل فكرة حدوث حرب جديدة على قطاع غزة كابوس لا يمكن أن يطاق ، فصاروخ واحد أطلق من مروحية إسرائيلية خطف أرواح أبنائها الخمسة وزوجها أثناء تناولهم لوجبة الإفطار في أحد أيام الحرب .ليكن ذلك الحدث الفيصل في حياتها ولتبقي وطفلتها وحيدتان تصارعان مرارة فراق الأحبة والخوف من خطر غير متوقع. أم مهدي قالت ل”المدينة" حسبي الله ونعم الوكيل، ها أنا أتجرع من كأس فراق فلذات أكبادي،الحرب السابقة جاءت على الأخضر واليابس، ولم تبق شيئاً،لا يوجد منزل فى قطاع غزة إلا وأصابه من ويلات تلك الحرب ، لذلك أنا لن أخرج من بيتي إطلاقاً، فلتفعل إسرائيل ما شاءت." واسترسلت بسخرية وهي تتنهد " لا شك إن إسرائيل غير جادة في تهديداتها فلا يوجد شئ تأتي من أجله في القطاع ، الرجال استشهدوا والمنازل دمرت ولا يوجد إعمار والحصار مطبق و الأنفاق تقصف والشبان يقتلون والمرضى يموتون على الحواجز " ،متسائلةً" ماذا ستجني إسرائيل من تلك الحرب؟؟ هل تنتظر أن يصفق لها العالم الذي يقف مكتوف الأيدي؟؟".