أطلقت وزارة الإعلام خلال الأيام الماضية مبادرة في غاية الأهمية لتعزيز التواصل مع المقيمين تحت شعار «انسجام عالمي»، للتعريف بظروف حياة المقيمين في المملكة بمختلف جوانبها مع التركيز على حياتهم المهنية والعائلية وأنشطتهم الاجتماعية والترفيهية ومساهمتهم في اقتصاد البلاد وتفاعلهم مع المواطنين. كما تلقي المبادرة الضوء على قصص من نجاحاتهم، إضافة لتنوع وثراء ثقافاتهم المختلفة وأوجه التكامل والانسجام مع المجتمع السعودي. وتكتسب المبادرة التي تمثل جانباً من برنامج «جودة الحياة» لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 أهمية كبرى كونها تأتي في منعطف بالغ الأهمية تمر به بلادنا، حيث ستشهد الفترة المقبلة- بإذن الله- اختيارها لاستضافة نهائيات كأس العالم 2034، وهو حدث له كثير من الإيجابيات على المملكة التي ستكون محط أنظار قنوات الإعلام العالمية كافة لفترة طويلة، بما يمثل حملة علاقات عامة تعكس التطور الذي تعيشه المملكة بما يسهم بدوره في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى تحقيق عديد من المكاسب التي لا تحصى. ولأن هناك من تمتلئ قلوبهم بمشاعر سالبة ضد السعودية بسبب الحقد الذي أعمى قلوبهم وهم يرونها تنتقل من نجاح إلى آخر وتقطع خطوات واسعة في طريقها نحو التطور والرفعة، فإنه يتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعاً في وتيرة هجماتهم المسعورة حيث سيركزون على ترديد أسطواناتهم المشروخة والمكررة عن تعرض المقيمين إلى التمييز وعدم الحصول على حقوقهم القانونية، لذلك فإن الحكمة تقتضي أن نبادر باتخاذ إجراءات استباقية تجهض مخططاتهم الشريرة. لذلك نحن بحاجة إلى زيادة التفاعل مع الإخوة المقيمين الذين يعملون معنا وشاركوا في نهضة بلادنا وحثهم على الحديث عن تجاربهم في المملكة. وبتسليط الضوء على هذه القصص الحقيقية والعفوية سنقطع الطريق على من يحاولون استهداف بلادنا بذريعة إساءة معاملة الوافدين. وهناك كثير من المقيمين الذين أتوا إلى بلادنا في بدايات حياتهم، وبمجهودهم وإخلاصهم استطاعوا تحقيق قدر كبير من النجاح وتمكنوا من تكوين عائلاتهم الصغيرة وتلقى أبناؤهم التعليم في مدارسنا وعاشوا بين أبنائنا. وهؤلاء لا يزالون يكنون لنا قدراً كبيراً من الامتنان ويحملون مشاعر إيجابية تجاهنا، لذلك ينبغي تسليط الأضواء على قصص نجاحهم. لكن من الضرورة بمكان الانتباه إلى أن هذه الجهود ينبغي أن تلبي عديداً من العناصر حتى تؤدي المطلوب منها، وفي مقدمة هذه المتطلبات أن تكون هذه القصص عفوية وأن تبتعد عن التكلف، وأن يتم تجسيدها في قوالب فنية ودرامية جاذبة أو روايات وقصص وغير ذلك. وشخصياً أتمنى على أن تكون المعالجة في شكل درامي وتتضمن أحداثاً متسلسلة بطريقة مقنعة ووقائع تحفز المشاهدين على متابعتها، بدلاً عن الحديث المباشر، فالدراما الناجحة هي صناعة قائمة بذاتها وتحتاج لعديد من المقومات حتى تجد الرواج المطلوب. وخلال السنوات الأخيرة تعاظم الدور الذي تؤديه الدراما والسينما حتى إن كثيراً من الدول باتت تعتبرها إحدى أبرز وسائل القوة الناعمة التي تستطيع أن توصل بها رسائلها بصورة سلسة تخاطب القلوب والوجدان. لذلك ازدادت الأعمال الدرامية التي تعرضها كثير من الفضائيات باللغات واللهجات كافة، وهناك منافسة حامية بينها حيث يتطلب النجاح الكثير من المقومات مثل النص الجيد، الممثلين المتميزين، والإخراج الاحترافي وغير ذلك من عناصر تميز الإنتاج الفني. حتى الأفلام القصيرة التي لا تزيد مدتها على دقائق معدودة والتي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون مؤثرة وقادرة على إيصال الرسائل الإيجابية إذا نفذت بصورة مناسبة تراعي الذوق السائد، وهي أعمال لا تتطلب ميزانيات ضخمة، فقط تحتاج للاحترافية. وإذا كان هناك من ملاحظة على مبادرة «انسجام عالمي» التي طرحتها وزارة الإعلام فهي تركز على مخاطبة المقيمين من عدة دول عربية، وأرى في ظل ما نحتاجه خلال الفترة المقبلة التركيز على الدول غير العربية، فالعرب يعلمون التضحيات التي قدمتها المملكة خلال العقود الماضية، والدور الذي لعبته في مساعدة أشقائها، وكثير من شعوب هذه الدول لا يزالون يحفظون للمملكة هذا الدور. لذلك فإننا بحاجة للتركيز أكثر على مخاطبة شعوب دول مثل الهند وباكستان والفلبين وإندونيسيا والدول الإفريقية، لأن معظم العمالة المنزلية تنحدر منها، على أن تتم كتابة السيناريوهات بلغات تراعي طريقة تقبّلهم لهذه الأعمال، والتحدث معهم بالأسلوب الذي يناسبهم، وأن تترجم هذه الأعمال الدرامية لعدة لغات. في ظل هذه المعطيات ينبغي لنا التحرك السريع على أكثر من مسار، وألا نقف مكتوفي الأيدي حتى يبادر أعداؤنا إلى ترديد اتهاماتهم ومن ثم نستنفر كافة قدراتنا للرد عليها، فرد الفعل مهما كان قوياً ومدروساً فإنه من دون شك لا يرتقي إلى درجة الفعل. وأعود وأكرر أن لدينا عديداً من نقاط القوة التي يمكننا أن نحقق بها كثيراً من الأهداف إذا ما أحسنا استغلالها، فليس في تاريخنا ولله الحمد نقاط سوداء، ونحن من أكثر الدول التي فتحت أبوابها لكل باحث عن الرزق الحلال، ونتيح لملايين العمالة الوافدة الحرية الكاملة في تحويل أموالها لبلادها دون قيود. ومن الضرورة أن ندرك تماماً أن أعداء النجاح الذين يناصبوننا العداء ويكيدون لنا في السر والعلن يتبعون طرقاً جهنمية في مؤامراتهم، ويرصدون أموالاً ضخمة لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، ولا بد لنا أن نسبقهم ونمتلك زمام المبادرة، لنكشف للعالم مقدار ما نتمتع به من أخلاق راسخة، وعادات متوارثة وتقاليد عريقة.