مع الثورة التكنولوجية التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة ، أتيحت آفاق جديدة وصلاحيات وصول سهلة المنال والتي قد تعطي فرصا لتطور أساليب النصب والاحتيال، التي تكاد نسب الكشف عنها أن تكون مستحيلة ، خاصة اذا كان مرتكب الجريمة يتمتع بذكاء عال المستوى ويعرف نقاط الضعف البشرية، ويرتدي ثوب الاخلاق بعد ان درسه وجعله آلة للتنفيذ، بدلا من ان يتخذه صفة حميدة ترفع من شأنه. قد يبدو الامر معقدا بعض الشيء فمصطلح الاخلاق قد يرى نقيضا شرسا لمصطلحات الجريمة ،ومن الصعب أن يسيرا معا في اتجاه واحد ، ولكن لا ننسى أن الجريمة تتطور بشكل كبير ونوافذ التكنولوجيا الجديدة تسهل هذا الامر وتمنح المجرمين أفكارا جديدة . فالجميع يتفق أن كل تطور جديد غالبا ما يكون سلاحا ذا حدين ، فضلا عن اتاحة الفرص للاطلاع على هفوات وقصص السابقين الذين وقعوا في شباك العدالة ليكونوا في المستقبل أكثر حيطة وحذرا. ويرى أستاذ الفلسفة المصري عبد الرحمن بدوى أن الذكاء في صنع الجريمة وخاصة جرائم النصب والاحتيال يصنف ذكاء ماديا مبنيا على استراتيجيات مختلة، حيث يسعى مرتكب الفعل إلى تحقيق أهدافه بشتى الوسائل المتاحة له، وقد يدخل في محتواه بعض القيم الإنسانية ليتخفى بها في أي فعل أو قرار يتخذه للوصول إلى المكاسب الشخصية. ووضع ا بدوي ، مثل هؤلاء المحتالين في خانة أصحاب الوجود المزيف، متخذين المكر والخداع بديلا عن الصدق والنزاهة ووصفهم بمصطلح الوجود المزيف ، فجميع الأفعال ظاهرها أخلاقي وباطنها منظومة متكاملة مدججة بالخدع والحيل الذكية التي توصلهم إلى الإطاحة بالضحية . إذا حاولنا حصر أهم المنافذ الجديدة في طرق الاحتيال، فسنجد أن أولها طرق الاحيال المالي عبر الانترنت ،فهناك قدرات كبيرة للمحتالين لفهم سلوك أصحاب الأموال، ويعملون دراسات وابحاث مشابهة لمثابرة طالبي العلم . فالجهد المبذول لا يختلف كثيرا عن الدراسات الاخرى ،فالمحتال بحاجة لفهم اليات حركة الأموال وطرق الإيداع والسحب المختلفة وماهي الصورة المناسبة التي يرسمها لنفسه اثناء تنفيذ جريمته ، فضلا عن دراسة احتماليات الفشل وكيفية التملص من العدالة. ولو نظرنا للأمر برمته فهو يدرس التكنولوجيا والاجتماعيات والقانون معا، دون أن يدري ولو كرس هذه الطاقات في عمل أخلاقي فعلي، لكان ذي شأن كبير بدلا من أن يشار إليه كمجرم أو المحتال. ليس بالضرورة أن يكون المحتال مجردا من الاخلاق أو القيم التي قد يكون اكتسبها من مراحل طفولته، ونحن نعلم جميعا أن هذه المرحلة درسنا فيها جميعا واكسبتنا العديد من القيم والأخلاق الحميدة ، ولكن اضطر العديد من المخادعين والمحتالين لترك هذه القيم جانبا لأسباب عدة منها العوز المادي والرغبة في الوصول السريع الى المكتسبات الكبيرة والعيش برفاهية دون عناء او تعب او عمل شريف. وفي العودة الى النوافذ فالتلاعب النفسي والهندسة الاجتماعية هي طريقة جديدة أيضا تفسح المجال للمخادعين والنصابين للوصول السهل الى ضحاياهم عبر طرق التواصل الاجتماعي المباحة امام الجميع ، فالمحتالون يستغلون العاطفة البشرية والصفات البشرية التي وجدت في جسم الانسان وافكاره مثل الخوف ، الثقة ، الأمانة ، فكل واحدة من هذه الصفاة هي أداة يستخدمها المحتال للسيطرة على الضحية فان تمكن من احداهن اصبح الضحية صيدا سهلا ومنفذا مطيعا لكل رغبات المجرم ، ولو تمعنا في كل هذا فإننا سنعرف ان المجرم قد يحتاج الى فهم عميق للمنظومة والطبيعة البشرية ، فهنا قد اصبح ذكيا أخلاقيا بالفطرة واستخدم الاخلاق سلما للوصول ، ولو كان قد استغل هذا الفهم العميق في الايجاب لأصبح شخصا صالحا يشار اليه بالبنان. بعد ان سلطنا الضوء على حجم المشكلة مدار المقال هذه ، لابد لنا أن نجد الحلول المناسبة والتي يجب أن تكون بحجم التحدي ولابد أن يتحد الجميع ، فلدينا جانب قانوني بحت بالمرتبة الأولى فهذا يشمل التحصين الرقمي والتكنلوجي وتعزيز القوانين والعقوبات وعلى نطاق محلي ودولي ، بالإضافة الى جانب اخر مهم الا وهو الجانب التعليمي فتعزيز الذكاء الأخلاقي الإيجابي مهم جدا سواء كان من داخل المنزل ومن الاسرة تحديدا أو من جانب المؤسسات التعليمية المختلفة، فالقيم والأخلاق هي ثمرة هذه المؤسسات. ولكي لا تغيب عنا أدوار أخرى، فلابد للمنظمات المجتمعية الدولية أن تضع بصمتها في اعداد الدراسات البحثية الموسعة، واطلاق حملات التوعية الفكرية، والاستماع للحالات التي وقعت في السابق ، للكشف عن البوابات الاجرامية المفتوحة واغلاقها بطرق علمية مبتكرة، والمهم أن تكون بذكاء أخلاقي إيجابي نافع .