أصبح ازدحام الطرق وأزمة المرور وصعوبة الانتقال داخل المدن، خاصة الرئيسة منها، من القضايا التي تستحق الالتفات إليها والوقوف عندها بعناية، لدراسة أسبابها وطبيعة ظروفها وتوقيتها، والتي قد تشترك في بعضها وتختلف في أخرى، ولكن جميعها رغم تفاوتها بين مدينة وأخرى ومنطقة وأخرى داخل المدينة ذاتها، إلا أن القضية باتت طافية على السطح بما لا يمكن تجاهله أو الإبطاء في معالجته بما يخدم المجتمع ويحافظ على سلامة الحركة المرورية وسهولة الانتقال، وبما يتطلب التدخل بحلول عاجلة ومتقدمة تناسب ما حققته السعودية اليوم من تقدم وازدهار ونمو مشهود في جميع الأصعدة وعلى جميع المستويات الإقليمية والعالمية. لا شك أن الازدحام لم يولد فجأة ولم يتشكل ما بين ليلة وضحاها، أو إن ظاهرته كانت مباغتة وليست متوقعة في ظل ما تشهده المملكة من تطور وتنمية وامتداد مساحي وعمراني ونمو سكاني تؤكده الإحصاءات والواقع الذي نعيشه، وذلك بعد أن أصبحت مركز استقطاب دوليا وإقليميا لكثير من المراكز والمواقع المؤسسية العالمية، علاوة على نمو مكانتها الاقتصادية كنتيجة طبيعية لما تشهده المملكة من حراك تنموي وازدهار اقتصادي وفعاليات مختلفة تستقطب الخبراء والزائرين والسائحين من شتى بقاع العالم، بالإضافة إلى نموها السكاني المتزايد، والذي شكل في مجموعه أسبابًا طبيعية ضاغطة على طبيعة الحركة وجودة الانتقال داخل المدن، بل وساهم إلى حد ما في ارتفاع أسعار الانتقال ما بين المدن. كانت قيادة المرأة للسيارة من الأمور المطلوبة والمنتظرة منذ سنوات لأهميته الاجتماعية والاقتصادية، ولأنه يرتبط بحقوق المرأة وحاجتها للاستفادة من إيجابيات قيادتها للسيارة لها ولأسرتها، وقد تم ذلك بفضل من الله ثم بفضل إدراك وطني من القيادة باستحقاقه، وعليه وضعت القوانين والتشريعات الضابطة لذلك لضمان السلامة والأمن والاستمرارية في تنفيذ الأوامر بما يصب في الصالح الوطني العام والخاص. ساهمت قيادة المرأة للسيارة بلا شك في تعزيز الأزمة المرورية وصعوبة الانتقال داخل المدن بسبب ارتفاع عدد السيارات بشكل كبير، بعد أن تضاعفت مبيعات السيارات للإناث، يضاف إلى ذلك ما نعيشه من ثقافة اجتماعية تجعل تعدد السيارات للأسرة الواحدة مطلبًا وحاجة، علاوة على وجاهته ما بين طبقات المجتمع التي تتباهى بعدد السيارات التي تقتنيها الأسرة، والذي أصبح هو الآخر يحتاج إلى ضوابط. وجود النقل العام الميسر بمختلف وسائله أصبح ضرورة وحاجة ملحة يفرضها الواقع الذي نعيشه، وهنا يجدر التنويه بأن النقل العام لا يعني فقط الحافلات التي لا تجتذب معظم السكان بسبب بطئها وعدم تواجدها في مختلف الأحياء والجهات البعيدة، والتي تحتاج كذلك لتنظيم حركتها وتيسر وصولها إلى أكبر عدد من المراكز والأحياء، وإنشاء مسارات خاصة لها في الطرق تساعد على سرعتها وتمنع إعاقتها للمرور مع السيارات، وإنما يشمل النقل العام كذلك الترام الكهربائي، ويشمل كذلك القطارات تحت الأرض والقطارات المعلقة البسيطة السهلة الاستخدام والمقبولة في أسعارها، بحيث تدفع الناس إلى استخدامها فعليًا والاستغناء عن سياراتهم الخاصة على الأقل وقت الأعمال والدراسة في الفترة الصباحية التي تشهد ذروة الأزمة المرورية وصعوبة الانتقال داخل المدن. ثقافة امتلاك السيارات واستخدامها في النقل بصفة مستمرة، لا شك إنها وُجدت كنتيجة لظروف التنمية التي بدأنا بها مسيرتنا التنموية، والتي اعتمدت على النفط كدخل أساسي للدولة، والذي انعكس على ارتفاع دخل الأفراد بسرعة، وتمكنت به فئات كبيرة من المجتمع بالقدرة على امتلاك السيارات، يعززه عدم وجود وسائل نقل بديلة مناسبة يعتمد عليها في الانتقال، وذلك يشمل الذكور والإناث، وعليه تراكمت أعداد السيارات عبر عقود من الزمن. ازدحام المرور وصعوبة التنقل بين الأحياء داخل المدن، لا شك أنه يسهم في صعوبة الالتزام بالمواعيد، ويضعف القدرة على احترام الوقت بما يعتبره الفرد سببًا خارجًا عن إرادته وإمكانياته، علاوة على تسببه في ارتفاع نسبة الحوادث والمخالفات بسبب الرغبة في التجاوز والسرعة للحاق بالمهام والأعمال. هناك حاجة ملحة للتخفيف من إغلاقات الشوارع التي لا تنتهي للإصلاحات المتتابعة، والتي تزيد من الضغط على شوارع معينة، ويكون بالتنسيق دائمًا بين الجهات المعنية بصيانة البنية التحتية للطرق، وما يتعلق بها من خدمات ليكون العمل متزامنًا بينهم، كما أن وجود منافذ كثيرة للطرق السريعة والرئيسة يساعد على انسيابية الحركة والحد من الازدحام، بالإضافة إلى التوعية بالحد من أعداد السيارات لكل أسرة، مع المسارعة في توفير وسائل نقل عام بديلة تخدم المجتمع سواء داخل المدن أو ما بينها وبأسعار مناسبة. المسارعة في توفير شبكة نقل للسكك الحديدية تربط بين المدن والمناطق، أصبح مطلبًا مستعجلاً وأمرًا محسومًا، خاصة مع زيادة النمو السكاني وتزايد حركة التنمية، وما تتطلبه من انتقال ما بين المناطق، وبما تحتويه من فعاليات مختلفة وفرص يستثمر فيها استقطاب مختلف أفراد المجتمع وشرائحه، تطوير وسائل النقل وتوفيرها يرتبط به تعزيز مؤشر التنمية المحلية وتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة.