إن النفوس الطيبة تستعظم حقوق الآخرين، وتراها بحجمها الحقيقي دون محاولة الاستنقاص منها لأي أغراض كانت، فقد يحصل في بعض الاجتماعات، على اختلاف أماكنها، تداول أفكار وحلول، وتتفاجأ بأن البعض يعرض فكرة شخص آخر وينفذها، متجاهلا صاحب الفكرة الأصلي وحقوقه في نشرها أو اعتمادها، بل ومعتبراً ذلك من الذكاء واقتناص الفُرص. في الحقيقة هذه التصرفات في قمة «اللؤم والجحد»، ولا شك أنها تدخل في حكم السرقة وتعتبر «حراما» في الحُكم الشرعي، إذا لم يعقبها تلميح أو تصريح من صاحب الفكرة بأن الفكرة متاحة للجميع أو دون الاستئذان منه في اعتمادها. وفي هذا السياق، أخبرني أحد المقربين قائلا: كان لي صديق بدأ في مشاريع وأنشطة تجارية، وكان يقصدني في استشارات وحلول لمشاكل وعراقيل تواجهها أي مشاريع صغيرة في بدايتها، فأوجدت له الحلول، وقدمت له أفكارا متنوعة ومفيدة في حالته تلك، إيمانا مني وثقة في أمانته ومخافته لله -عز وجل- بألا يضيع حقي معه، خصوصا وأنه لم يستشرني مرة أو اثنتين، تكرر الأمر فعرضت عليه تقديم فكرة تدفع بمشروعه قفزة نوعية بسعر مغر لإثبات إمكانياتي له، ونظرا لظروف مادية كنت أمر بها أخبرته أنني متمكن في الاستشارات من هذا النوع، ويمكنني تخصيص وقت وتقديم مزيد في حال نجاحها، وإيجاد حلول للثغرات والأزمات التي يواجهها، على أن يخصص لي قيمة نقدية معينة، وافق وكان مرحباً ومتحمساً للفكرة، غير أنني لم أشأ في تدوين ذلك في عقد أو ما شابه من أمور قانونية، نظرا لثقتي فيه ونقاوة العلاقة التي تربطنا، وهو ما حدث بالفعل فقد قدمت له عددا من الأفكار والاستشارات وحلولا لمشاكل واجهها، وزادت إيرادات شركته بالملايين دون مبالغة، ومرت سنتان تقريباً على الحادثة، وإذا بنشاطه التجاري يزدهر ويزداد نجاحاً، يقول فرحت له، وقلت لا بد من زيارة لأبارك للرجل، وفي نفس الوقت أسأله إن كان لجودة أفكاري مساهمة في هذا النجاح. زرته في مكتبه دون سابق تنسيق لضيق الوقت، فقام الرجل واحتضنني بشكل يفوق الوصف، وقال لفريق العمل لديه «هذا الرجل كان سببا في نجاحي بعد الله سبحانه وتعالى»، حتى قبل أن أسأله، يقول فرحت فرحاً شديداً لكونه لم ينس عهده، وقلت في نفسي جاء الفَرج، خصوصا وأنني كنت في وضع مالي حرج، ورغم ذلك لم أظهر له حاجتي، ولم أذكره بالعهد لثقتي في أنه لا يمكن أن يعود عن كلمته أو حتى أن يستغلني بطريقة كهذه، ولكن حدث عكس ذلك تماما، فلم ينصفني، وفوجئت بجرأته في تجاوز حقوق أفكاري واستسهال الأمر دون خجل! مثل هذه المواقف كثيرة ومنتشرة في كل المجالات وبسياقات مختلفة، ولكن في طيّاتها انكسارات وآلام لاحقة لمثل هذا «السارق المبتسم»، ورغم ذلك لا يمكن إنكار وجود أشخاص ورجال أعمال بمكانات مرموقة من أصحاب الضمير، الذين يوفون العهود ويعودون لأصحاب الحقوق الفكرية بالشكر المعنوي والمادي، ولكن السؤال الذي يبقى عالقا هو لماذا بعض رجال الأعمال لديهم جرأة في تجاهل من كان سبب قوته وتمكينه رغم قدرته المادية والمعنوية؟! ولماذا لا يعترف إلا بعد أن يكسره مرض أو حدث ما أو تكسره خسارة مالية مدمرة ومحرجة؟!. يمكن إرجاع ذلك إلى عدم انتشار ثقافة حقوق الملكية الفكرية، فلا بد من التيقن أن الأفكار أصبحت مادة مثلها مثل أي سلعة أخرى، وأصبح الأشخاص والشركات في كل دول العالم يتهافتون لتسجيل حقوق أفكارهم حتى لا يتم استغلالها في مؤسسات أخرى دون الرجوع للمؤسسة الأصلية، بل ويتم متابعة كل من يتجرأ على استعمالها قانونيا من خلال هيئات مختصة متمثلة، هنا في المملكة العربية السعودية في الهيئة السعودية للملكية الفكرية، لذا لا بد من اكتساب ثقافة احترام ملكية الفكرة ونسبها لصاحبها الحقيقي أو شراء هذه الحقوق مثلما هو منتشر حاليا، فاستغلالها دون إذن صاحبها ودون امتلاك حقوقها يعتبر سرقة فكرية بحتة تدخل في حكم السرقة عامة.