حين تهمّ بالبحث عن كتاب ما في مواقع الإنترنت الإنجليزية، فستفاجأ في غالب الأمر بأنك لن تستطيع تحميل الكتاب مجاناً، أو أن عليك التسجيل في الموقع المعني بنشر الكتاب للحصول على نسخة إلكترونية منه، وذلك بعد أن يُسمح لك بقراءة جزء منه دون مقابل. بعض المواقع التي تستضيف كتاباً أو يشترك بها نخبة من المثقفين لا تجيز لك الاطلاع على كامل موضوعاتهم ومقالاتهم؛ خوفاً من تعريضها للاقتباس أو التحريف أو السرقة. الأمر نفسه يحدث حين ترغب في مشاهدة فيلم أو مسلسل أو برنامج تلفزيوني ما، فاليوتيوب حتما لن يقودك إلى تحميل نسخة كاملة عالية الجودة، أو مشاهدتها مباشرة على صفحات الإنترنت إلا فيما ندر. ربما تستطيع مشاهدة جزء أو إعلان أو برومو مسلسل ما، لكنك ستجد أن المحاسبة القانونية تمنع ما عدا ذلك دون إذن أو تصريح أو شراء حقوق من صاحب المنتج الأصلي، عدا بعض المواقع العالمية الكبرى التي تعقد اتفاقيات معلومة ومدفوعة الثمن مع المؤسسات الرسمية المنتجة للعمل الأصلي، أو جهات أخرى تملك حق توزيعه ونشره، وتمكّنك بتسجيلك فيها من تحميل المادة المطلوبة ومشاهدتها كاملة، كملفات التورنت لتحميل الأفلام على سبيل المثال. مؤخرا نشرت بعض الصحف الأمريكية تصريحا يفيد بأن موقع فيس بوك يملك الحق في إظهار بعض الصور التي يحتفظ بها المشتركون فيه بشكل خاص، أي تلك المواد التي تصنف في خانة الخصوصية العالية، والتي تظهر لصاحب الحساب فقط ولا تظهر لغيره من الأصدقاء والمضافين. ردة الفعل كانت سريعة وعنيفة من المسجلين الذين سارعوا إلى المطالبة بمقاضاة أصحاب الموقع، أو تغيير معلن لبنود الاستخدام وشروط الخصوصية، لتكون أكثر نزاهة ومصداقية مع المستخدم. الحقوق محفوظة ببساطة في كل شؤونهم الحياتية الأخرى، والالتزام بها أمر بدهي ومألوف، واحترامها نظرية مسلمة ومشاعة عند أغلب الفئات العمرية، والعمل بها متوقع ومؤكد، بل إن مخالفتها جريمة يعاقب عليها القانون ولا تصل إلى إقفال الموقع أو الاعتذارات اللفظية حسب، بل إلى المقاضاة والتغريم المادي في كثير من الحالات. أما في مواقعنا العربية فما إن تنتهي القناة من عرض مسلسلها -وإن كان حصريا- حتى يتم رفعه على موقع اليوتيوب بحلقاته الكاملة من قبل أكثر من متبرع و(فاعل خير!). والمسألة لا تقف عند حدودها المالية فقط التي قد تُضيع على مُنتِج العمل التلفزيوني كثيرا من مكاسبه ورهاناته، بل يزداد الأمر خطورة حين نجد معظم الكتب، من روايات ودواوين وقصص، متوفرة أيضا بنسخ إلكترونية مشوهة أحيانا لضعف التصوير ورداءة الضغط وعشوائية الرفع والرمي بها في عرض الإنترنت لأصحاب النوايا الحسنة والسيئة على السواء! المساوئ ليست مرتبطة بالعائد المادي فقط، فأن يُنشر الكتاب ويُقرأ ويطلع عليه جمهور القراء من المهتمين وغيرهم أفضل من أن يظل حبيس أدراج المؤلف وأصحاب دور النشر فقط. المشكلة في نسخها أو الاقتباس منها دون الإشارة لمصدرها الأصل، وفي عجز الكاتب بعد ذلك عن إصدار نسخة معدلة أو محدثة ومصححة في حال بقاء الأولى وانتشارها. المفترض أن يبتدئ هؤلاء بالحصول على إذن خطي وشرعي من دور النشر المعنية، ومن ثم التعامل مع الكتاب بما يناسب قيمته بوصفه فكرا وإبداعا وإرثا حضاريا، وبما يليق بمؤلفه من تقدير واهتمام وحفظ لحقوقه المادية والمعنوية وحقوقه الموازية الأخرى، وبما يناسب البيئة التي يُعرض ويُطلب فيها، ولعل من الجميل هنا الاستشهاد بتجربة أمازون في الشراكة الفاعلة والمثمرة بين المنتج والوسيط الذي يحمل المادة والقارئ الذي لا يستطيع حضور معارض الكتب الكبرى حول العالم. تتزايد الشكاوى من السرقات الأدبية والفكرية عبر المنتديات الإلكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي (إن صحت تسميتها بمواقع التواصل فعلا) وتصل المشاحنات أحيانا إلى الصحف المحلية. لأنه وإلى هذه اللحظة لم توجد لدينا بعد – بشكل عملي وواقعي حقيقي- تلك التشريعات والمرجعيات القانونية التي تحفظ حقوق الكتّاب والمؤلفين الذين ينشرون نصوصهم عبر الشبكة العنكبوتية، وستبقى المسألة محل جدل وسيظل كل حبر إلكتروني معرضا للنهب والسرقة والإغارة والتحريف والقرصنة والمتاجرة غير الشرعية. إن إشاعة المعرفة سلوك حضاري وصحي، وتعريض النتاج الفكري للهواء تنقية لجزيئاته، وإنعاش لما يوشك أن يتعفن منه، فالبيئة الرقمية باتت وسطاً مشتركا بين منتجي المعرفة وجماهير المتلقين، بين المفكّر وطالب الفكرة، وبين الباحث وكل ما يبحث عنه على مستوى المحسوس والملموس. وهي بهذا تحقق الهدف الإنمائي الأول من المعرفة وهو سد الفجوة ورتق الصدع بين من يمتلك المعلومة ومن يبحث عنها. هذا التواصل هو ما يخلق عينة واعية يمكن أن يطال تأثيرها كل شرائح المجتمع وبالتالي يكون الوعي هو الحصيلة المتحكمة في سلوك الناس تجاه حقوقهم في الإطلاع وحقوق الآخرين في الحفظ. «الحقوق محفوظة» مصطلح قانوني يحمي حقوق الملكيات الفكرية والإبداعية لأصحابها، من مؤلفين ومنتجين، لكنه لم يجد لدينا التفعيل الكافي والجدية في الممارسة، والأهم من وجوده قانونيا هو إيمان الناس به وتمثلهم لقيمة حفظ الحقوق قناعة ومبدأ. يحصل أن تنشر شيئا، ثم يعود إليك عبر البريد أو فيس بوك أو واتس أب، خلوا من ذكر الكاتب الأصلي، ومن أعجب ما حصل عندنا أن سطا مؤلف شهير على صفحات طويلة من كتاب لمؤلفة، وأدين قانونيا، لكن الشعب اختلف حول إدانته من عدمها، بل بعضهم صرح بأن للمؤلفة وافر الشرف بأن يقتبس مثل هذا الرجل شيئا من كتاباتها، ولتحمد ربها غيرها كثير ما حصل لهم! قلت: بل كثير حصل لهم، فالمؤلِّف الشهير أفاض هذا الشرف على كثيرين غير تلك المؤلفة الكريمة، لعل أكثرهم شرفاً ديل كارنيجي. ويحمد ربه!