عبدالله محمد بن حميد - المستشار الشرعي بإمارة منطقة عسير لم تطمئن نفسي أن أنهي الحديث عن الذكريات الرمضانية في أبها البهية دون أن أتطرق إلى شخصية دينية جليلة كم شنف صاحبها أسماعنا ونحن أطفال بتلاواته القرآنية الجميلة المترسِّلة على طريقة الحدر في صلوات التراويح بالجامع الكبير بأبها، الوحيد الذي كان يجتمع فيه سكان مدينة أبها لأداء صلاة الجمعة وصلوات التراويح قبل أن تكثر الجوامع التي أسأل الله تعالى أن يعمرها بطاعته وذكره. أعود وأقول إن صاحب تلك الشخصية الجليلة هو الوالد القاضي العلاَّمة الحافظ الشيخ إبراهيم بن راشد الحديثي رئيس محاكم منطقة عسير السابق، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، فقد كان يتردد صوته الندي في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك عبر مكبرات الصوت في الجامع الكبير بأبها وهو يصلي بالناس صلاة التراويح بأداء جميل يثير الخشوع في نفوسنا وبدون تكلف ولا تمطيط، فكانت تلاوته الوقورة تصل إلى القلوب قبل أن تلامس الأسماع، وكان، رحمه الله، يختم القرآن كاملاً من أول شهر رمضان إلى آخره. واستمر، رحمه الله، سنوات عديدة في إمامة الجامع الكبير بأبها، يساعده في ذلك العمل الجليل ابنه البار فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم الحديثي، حفظه الله، الذي تولى بعده إمامة الجامع ورئاسة محاكم منطقة عسير إلى أن وصل إلى مرحلة التقاعد. وأسأل الله تعالى أن يمتعه بالصحة وأن يختم له بخاتمة السعادة في الدارين. ثم تولى إمامة الجامع بعده فضيلة الشيخ القاضي المؤرخ هاشم بن سعيد النعمي، رحمه الله. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن شخصية والدنا الجليل الشيخ إبراهيم بن راشد الحديثي من الشخصيات العلمية الجديرة بالكتابة عنها من قبل الباحثين لدوره المميز في إثراء الحياة الدينية في مدينة أبها طوال خمسين عاماً، وكذلك في إبراز جهوده العلمية والقضائية والدعوية عبر حياته المديدة التي قاربت مئة عام. وأذكر أنني حينما أهديته، رحمه الله، كتابي الذي ألَّفته عن سماحة الوالد الشيخ العلاَّمة القاضي عبدالله بن يوسف الوابل، رحمه الله، فرح فرحاً عظيماً واحتفى به، وكان كلما رآني أو قمت بزيارته في بيته يمسك بيدي ويثني على جهدي المتواضع في تأليف ذلك الكتاب وطباعته، مما جعلني أبدأ في إعداد ملزمة صغيرة سلمتها لفضيلته تمهيداً لكتابة أوسع وأعمق لولا أن علمت أن أحد أحفاده وهو الدكتور إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحديثي بصدد إخراج كتاب عن جده الشيخ إبراهيم، رحمه الله. وأنا أهيب بالدكتور إبراهيم عبر صحيفة الوطن بأن يجتهد في طباعة ذلك الكتاب التوثيقي وإخراجه للنور ليسد ثغرة مهمة في الحديث عن شيخ جليل وعالم كبير وقاضٍ عادل وإمام من أئمة الهدى في وطننا العزيز، كانت له جهوده العظيمة في الدعوة والقضاء والإصلاح بين الناس في منطقة عسير وغيرها من مناطق المملكة التي تولى فيها الشيخ إبراهيم الحديثي القضاء كالقنفذة والنماص وأبها. كما أنه، رحمه الله، كان راوية للتاريخ والشعر، وصاحب ذاكرة عجيبة لم يؤثر عليها تعاقب السنوات، فكان إلى جانب حفظه للقرآن الكريم يحفظ مئات القصائد من عيون الشعر العربي.. غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.