من الفلكلور الشعبي أغنية مطلعها ولا أحفظ تاليها «يا بنات الهنود..يا فاغية في العمايم»، فتأثرت عواطفنا باسم «الفاغية» حتى أحببنا هذا الاسم، ولا أريد أن أترك القارئ وقد استعجم أن يسأل عن «الفاغية» عجوزا مثلي. إن «الفاغية» هي زهرة الحناء، بيضاء قمرا، يضوع شذاها في الفجر، كأنما هي تفرح بالصباح يفرح قاطفها بها، والتياهون من الشباب يغرسونها في عمائمهم، كما يغرسون الفل والورد على صدورهم، وأعني التياه ما تسميه العامة ب «العايق» يقولون «فلان عايق» وإذا استعرض شبابه أمام أنداده باللباس يشتريه بثمن غال، يتيه بأنه يملك أن يشتري «اللاس» و «الكشميري» و «السليمي» و «البرسمي» و «السقاطة» و «فخر الموجود» و «الرشوان». تلك أحزمة وشيلان وأثواب يتزين بها المترفون. وتأتي «الفاغية» زينة على الزينة! وهناك أغنية من هذا الفلكلور هي «يا لعشرة.. خللي الحادر يمشي.. يمشي على رمشي»، ويخطئ بعض من يغنيها فلا يقول «الحادر» وإنما يقول «الحجر» فيحصل الالتباس.. هل هم العشرة من العشرة؟ وما شأن الحجر يمشي على الرمش؟ فضياع الفلكلور والاستعجام قد وضعا الإشكال، فيحسن أن نزيل الإشكال بالتوضيح. فالعشرة ليست جماعة من الناس عددهم عشرة، وإنما هو اسم لأحد المطاليق، فعندنا في المدينةالمنورة شخص اسمه «العشرة» وفي مكةالمكرمة كذلك، ينادونه والطلب من «مشاكلة» الحارة أن يفتح الطريق الحادر، أي النازل من «النقا» إلى «سوق الليل» أو النازل من «العنبرية» إلى المناخة، فنحن نقول بلغة البادية «أنا حدرت من مكة إلى جدة»، أو «حدرت من الفريش إلى المدينة»، أو «صعدت من جدة إلى مكة» أو المدينة إلى الفريش. كما نقول: «حنا محدرين من الطائف إلى مكة، أو مصعدين من مكة إلى الطائف، أو انحدرنا من رحقان إلى المسيجيد، أو صعدنا من المسيجيد إلى روقان». فحرقان وروقان جبلان ينحصر بينهما وادي الصفراء. فالأغنية فيها لفظة «الحادر» لا الحجر، وهكذا ضاع الفلكلور كما ضاعت الصناعات المحلية اليدوية، وكثير من أدوات التراث، فكم هو جميل أن تعنى المتاحف بحيازة أدوات التراث، كما يحرص الجماعون على التراث من الفلكلور. ولا يفوتني أن الذين أخطأوا بين الحادر والحجر لهم عذرهم، فنحن نعرف من الشباب من كان يلقب بالحجر، يناديه أصحابه «تعال يا حجر». ولا أدرى كيف نسيت أمانة مدينة جدة أن تملأ الحدائق بالحناء لتفوح الفاغية! 1980*