السخرية مرض العصر، وربما العصور الماضية. السخرية ليست من طبائع الإنسان بل هي نتاج الاختلاف بين البشر، وهي لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة. للسخرية تعاريف مختلفة وأقربها إلى الواقع: (الاستحقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، ويكون ذلك بالمحاكاة بالقول أو الفعل أو الاشارة أو الإيماء) وكذلك هي (محاكاة أقوال الناس أو أفعالهم أو صفاتهم أو قولهم قولًا أو فعلهم فعلًا أو إيماءً أو إشارة على وجه يضحك منه، ويؤذي المستهزئ به). ترى لماذا يسخر البعض من بعض؟ هناك بواعث لكنها جميعًا غير مقنعة، ولا تمت للإنسانية. من تلك البواعث التكبر، واستصغار المستهزئ، النظرة الفوقية، الاختلاف في اللون والشكل، الاحتقار، عدم الثقة بالنفس، الطبقية في المجتمع، وهكذا. ولكم أن تضيفوا المزيد من البواعث لعملية السخرية. ديننا الإسلامي حذر وتوعد الساخرين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسم الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمان وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. إنّ كثرة وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت كثيرًا في تعزيز السخرية بين الناس، وللأسف كثرت، وتعددت طرق الاستهزاء والسخرية. بل تفنن البعض واخترع طرق للسخرية من البعض. وهناك أنواع أخري من السخرية، ومنها السخرية السياسية والاجتماعية والرياضية ويقدمها بقالب ساخر، كذلك سخرية رسوم الكاريكاتير. إننا نسخر أحيانًا بطريقة مؤذية محبطة، ومثالي على ذلك ستنفجر ضحكًا إذا لاحظت أحدا سكب القهوة على ثوبه عن غير قصد، أو فشل في الحصول على وظيفة، أو يقود سيارة قديمة متهالكة، أو نسي القلم وراء أذنه. عمومًا كثيرٌ من السخرية دليل ضعف تقييم الشخصية. أقتبس: «المدح غير المستحق سخرية متخفية» و«داخل كل ساخر مثالي إنسان مُحبَط». عالم النساء، عالم يزخر بالسخرية من بعضِهن البعض. وهذه بعض عبارات وألفاظ السخرية: «شوفي شعَرها تِقل، لابسة جزمة عشر سنتي، فستانها من البالة، مكياجها كيلوين، وش جابها بالعرس، قروية ولابسة الماس» ولكِ أن تضيفي من هذه العبارات التي تدل على الاستهزاء والسخرية. أقتبس: «على قدر حب المرأة يكون انتقامها»، فقلت: على قدر السخرية من المرأة يكون انتقامها، فالمرأة قد تصبر على الإساءة وتتحملها، ولكن لا تنساها. فالإنسان المريض بداء السخرية عليه أنْ يُعالج، والحمد لله أنه مرض غير معدٍ ودواؤه متوفر، وهو العودة إلى الطريق السليم السهل، طريق التواضع، وحب الآخرين، وعدم النظرة الفوقية، والتقيد بتعاليم وقيم الإسلام. أخيرًا أطفالنا أمانة في أعناقنا، علينا ألا نعلمهم السخرية من الآخرين، وعلينا إبعادهم عن تعبيرات الوجه، ولغة الجسد عندما نسخر. أقتبس: «ما أجمل النظافة، ولكن ما أعظمها عندما تكون في عقولنا». «جورج برنارد شو».