العلماء والدعاة وأصحاب الفتاوى (الفضائية) إن صح التعبير، ومقدمو البرامج الدينية عبر وسائل الإعلام المختلفة، كل هؤلاء بشر يصدق عليهم ما يصدق على غيرهم من حيث احتمالات الخطأ والصواب، فلا عصمة لأحدهم، ولا حصانة تحميه من النقد والتوجيه والمناقشة الصريحة إذا أخطأ، أو شط في القول، أو غالى في الحكم في أمور الدين والدنيا، وهذه قاعدة تؤصل مبدأ الحوار الإيجابي البعيد عن التشنج والتوتر والعنف، وما قد يؤدي إليه ذلك من سخرية لا تليق بالإنسان الذي كرمه الله بصفات لم يكرم بها أحدا من خلقه، وثمة فرق واضح بين النقد والسخرية التي نهى الدين الحنيف عنها فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وفي الحديث الشريف: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم). رواه مسلم نعم للنقد الموضوعي القائم على دفع الحجة بالحجة وتوضيح مواطن الزلل وتبيان أوجه الخطأ، ولا للسخرية والاستهزاء والتقليد المشوه للشخصية، بحجة الترفيه، وهو ترفيه مرفوض شكلا ومضمونا، لأن الخطأ لا يعالج بالخطأ، ومهما اختلفنا مع أحدهم تظل كرامته كانسان محفوظة في نفوسنا وعقولنا.. هذا إذا اردنا أن يحترمنا الآخرون.وتأتي هذه السخرية والتحقير والاستهزاء على عدة أشكال، وأسوأها ما كان مشاعا بين الناس، كما هو الحال بالنسبة للبرامج الترفيهية الرمضانية في بعض الفضائيات العربية، عندما تستغل هذه البرامج في الإساءة لبعض الشخصيات العامة عن طريق التقليد الكوميدي الساخر بأسلوب ممجوج وسمج يتجاوز النقد، إلى الاجتراء الشخصي، وتشويه شكل وفكر الشخصية المراد تقليدها، وهو أمر لا ينسجم مع الذوق العام، كما لا ينسجم مع روح الشهر الكريم، وما يتسم به من معاني الخير والترفع عن سقط المتاع في القول والعمل، والسمو بالتفكير إلى درجة من الوعي تحترم الآخرين ولا تسيء إليهم، فالاختلاف في الرأي لا يقود إلى السخرية والاستهزاء، ولا يؤدي إلى النيل من مكانة الآخر والإساءة إليه، ومهما بلغ الاختلاف في الرأي والموقف، فثمة خطوط حمراء لا يليق تجاوزها، وعندما نسيء لأحد فإنما نحن بذلك نسيء إلى أنفسنا، وما من إنسان بلا خطأ أو خطيئة، وتقويم الخطأ أو الخطيئة إنما هو بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بالسخرية والاستهزاء، وعندما يخطي داعية ما - مثلا - يرد عليه، وتصحح معلوماته، ويقوّم أسلوبه، ولكن بالتي هي أحسن، فإن استجاب فلنفسه، وإن لم يستجب فعليها، والناس يملكون من الوعي ما يفرقون به بين الداعية المجتهد، وذلك الباحث عن الشهرة والدعاية وتلميع الذات، وهم في هذا الأمر ليسوا بحاجة لمن يكشف لهم ما هو مكشوف وبأسلوب فج ومنفر ومسيء، بل ان هذا الأسلوب قد يدعو المخطئ للإصرار على خطئه، كما قد يدعو بعض العامة إلى التعاطف معه، وربما وجد من المخدوعين به من يدافعون عن أخطائه وخطاياه.. تعصبا وانحيازا ومكابرة. من المؤسف والمؤسف جدا أن تتحول البرامج الرمضانية في بعض الفضائيات إلى السخرية من أناس محددين، مع أن من شروط النقد الموضوعي الابتعاد عن شخصنة الأمور، وعدم ربطها بفلان أو علان من الناس، والأولى هو معالجة الظواهر السلبية بعيدا عن الشخصنة والذاتية وتصفية الحسابات الذاتية، والانتقام، والانتصار للذات على حساب الآخر, والدعوة إلى عدم السخرية من الدعاة وغيرهم، لا تعني أنهم فوق النقد، ولا تعني تجاهل أخطائهم كبيرة كانت أو صغيرة، ولكنه يعني تحديدا إتباع الأسلوب الصحيح في تقويم المسارات المعوجة في تفكيرهم أو في اطروحاتهم التي لا تنسجم مع الواقع، بل قد تسيء إلى الدين دون قصد. نعم للنقد الموضوعي القائم على دفع الحجة بالحجة وتوضيح مواطن الزلل وتبيان أوجه الخطأ، ولا للسخرية والاستهزاء والتقليد المشوه للشخصية، بحجة الترفيه، وهو ترفيه مرفوض شكلا ومضمونا، لأن الخطأ لا يعالج بالخطأ، ومهما اختلفنا مع أحدهم تظل كرامته كانسان محفوظة في نفوسنا وعقولنا.. هذا إذا اردنا أن يحترمنا الآخرون.