الحيرة ليست في قدوم الضيف الذي جاء بلا موعد، ولا يؤمن بقاعدتنا العربية (الضيف في حكم المضيف)، ولاحتى في استعدادنا، فقد ضرب هو الآخر بكل "بروتوكولات" الضيافة عرض الحائط، وضربنا مع الحائط بضربات موجعة نقلت بعضنا إلى الدار الآخرة. لكن الحيرة كل الحيرة أن الضيف ليس ككل الضيوف فقد (لخبطنا على لخبطتنا)، حيث كان كثير منا بحاجة إلى التعامل مع التقنية كحاجتنا لبناء أجسادنا ومناعتنا الصحية. الضيف الذي وقف على الأبواب وجدنا أنفسنا غير قادرين على التنسيق المسبق لعله يمهلنا إلى موعد آخر لنرتب أحوالنا، فما كان علينا إلا التسليم باستقباله، فقد أسقطت قوته العالم المتقدم قبل العالم الذي ما زال يحث الخطى إلى اللحاق بمصاف العالم التقني. بدأت المعركة مع استقبال ضيف العالم الشرس قوية حاولنا أن نركض بعنف، فتسلق الأسوار، ودخل ومع دخوله أحال السكون إلى صخب ولم يسدل الستار على قصة الضيف حتى اللحظة أو تحولاته، ولم ينكشف الغبار بعد، وما زالت المغادرة مجهولة التوقيت. ولأن الكلمة أمانة فقد كان لأبطال الصحة ملحمة مستجدة في التخفيف من شراسة الضيف المسعور تسمى (ملحمة كورونا)، وقبلها كثير من الملاحم أخبرتنا أن أصحاب المعطف الأبيض يحملون أكفانهم بين أيديهم، ومعهم رأينا التفاف المجتمع من حولهم، والحق والشهادة التي سجلها العالم أجمع لنا أننا ما رأينا بيننا من أشاح بوجه، أو أدار ظهره - دون استثناء - وكان لهذا الاصطفاف الصدى الكبير الذي أسكت كل من ينبح صباح مساء ليقلل من سُمعة، وترابط، وتضافر، وتآزر بلدنا الطاهر. ولأن المعركة ما زالت بيننا وضيفنا الجديد قائمة والحرب لم تضع أوزارها فلا وقت للكلام والتراشق بتهم القصور، فنحن أمام مثابرة لا تنتهي ليس بطلها الكمامات والمعقمات والتباعد فحسب، بل نعمل بإصرار وبهمة لا تلين لعلنا نخرج بدروس تجعلنا أكثر قوة إلى أن يحين موعد الانفراج ورحيل الضيف أو إيجاد اللقاح، ثم نرفع القبعة ونصفق، ونبدأ نعالج ونفتش وندقق في أوجه الخلل حتى لا يبقى الاحتفال باهتاً كأي مناسبة عابرة. وأعرّج في عجالة قصيرة على التعليم الذي انتفض بكامل ما أوتي من قوة ليعمل - كبقية الوزارات - مع الضيف المارد، حيث يحمل على ظهره آمال الأجيال، وهو ذروة سنام التنمية، وهو الركن الأول، ولا بد في كل مسيرة للصعود أن يتخللها عثرات ونهوض، ويحدث ذلك في كل مرفق ووزارة ما دمنا نقف في خندق السعي نحو التقدم. وليس على الإخفاقات التقنية نعتب، ولكن العتب كل العتب الجميل على بعض الكلمات والدندنة والمقاطع القصيرة التي انطلقت من وسط الصخب التعليمي على ألسنة بعض مربي الأجيال واخترقت صدورنا وأوجعتها وكانت صادمة لنا كأولياء أمور إلى حد كبير فقد بدت مختلفة عن الصورة المثالية التي عرفنا بها المربي، وتمردت أقلام بعضهم مغردة لتسافر بنا بعيداً عن الجسر الذي تشاركنا في تشييده حين بداية قدوم الضيف الثقيل، ومن ذلك قول البعض عبر منصات التواصل وحديث المجالس "دعهم يشعروا بقيمتنا كمربين". وآخرون يقولون "هل عرفتم الآن قيمة المعلم وأنتم تقومون على متابعة الطلاب من منازلكم واستشعرتم معاناتنا؟". فيا أحبتنا، لسنا بصدد اكتشاف القصور ولا التهم ولا كنا.. وكنا.. كلنا يعلم ويدرك أنكم أنتم المؤثرون والمنتجون، ودونكم لا تتحرك العربة، أنتم حبل النجاة لبلادنا أنتم من سيدفع بعجلة التنمية للأمام ونحن وإياكم (يجب أن نصنع حبلاً وفريق عمل متكاملاً يمضي على قلب رجل واحد)، ولا يعني هذا أن ننسف ونعمم ونطمس الجهود الكبيرة الدؤوبة واللجان التي تواصل الليل بالنهار ولا المبادرات التي يقوم بها بعض المعلمين، فلقد رأينا من يطرق أبواب المنازل ويحمل معه أدوات التقنية يجلس مع طلابه يرتشف معهم القهوة في قمم الجبال.. أما أصحاب تلك المقولات الذين عرّتهم الأزمة فسيعيشون نكرة بيننا، وسيعيش معهم أيضاً أصحاب محلات بيع الأجهزة الإلكترونية من تجار الأزمات الذين استغلوا الحاجة الماسة لطلابنا وظروف بعضهم المالية من حيث رفع الأسعار، فما هكذا تكون أخلاق المسلم التاجر.