لا شك أن صالون الكتاب في بيروت حدث مهم ينتظره المثقفون عامة سنويا في لبنان، و جمهور كبير من القراء اللبنانيين والعرب إن لم يكن الحدث الأهم على الإطلاق على صعيد المشهد الثقافي. و إن كانت بيروت في السنوات الأخيرة تلقت ضربات قوية من جهات عديدة خففت من الإقبال على معرض الكتاب، منذ اغتيل جبران تويني في الخامس من ديسمبر 2005 عند افتتاح صالون الكتاب بيوم واحد. فغطت مسحة الحزن أغلب المثقفين ورواد التظاهرات الثقافية، وقد خف الإقبال على المعرض بنسبة مخيفة، كلفت الناشرين خسائر لا يمكنها حصرها في القيمة المادية الكبيرة بل في ضرب معنويات المثقف في الصميم. منذ 2005 إذن وصالون الكتاب في بيروت يصارع من أجل البقاء، واليوم في طبعته الثامنة والخمسين، يفتح أبوابه لأقل جمهور يمكن تخيله، تجتمع 58 دارا لبنانية و 58 دارا عربية لتصنع الحدث ال 58 للكتاب في بيروت لكن قلة الجمهور القارئ كان العلامة السيئة له. وأولها غياب الجمهور الخليجي الذي تعوّد أن يقتني كتبا بالمئات ويشحنها لدول الخليج غائب تماما، وهذا في حد ذاته طعنة كبرى تسببت فيها الأوضاع الأمنية في لبنان، فالقادمون من طرابلس والشمال عموما، ومن الجنوب في السنوات الماضية يتفادون التحرك اليوم لزيارة المعرض والعودة ليلا لبيوتهم... أما الطعنة الثانية فهي الأزمة الاقتصادية التي ضربت جيوب اللبنانيين...ولعل من سوء حظ اللبناني أن المعرض افتتح أبوابه في نهاية الشهر، وهي فترة الإفلاس الحقيقي للموظفين، وما زاد الطين بلّة المواقف التي خصصت في منطقة " بيال" حيث يقام المعرض، التي حددت تعريفة الموقف بأكثر من ثلاثة دولارات... بالنسبة للمثقف والمواطن البسيط هذا مبلغ كبير، ومع أن هيئة تنظيم المعرض سارعت في اليوم الثاني لفتح موقف مجاني، إلا أنه لا يكفي. يحاول أصحاب الكتاب أن ينعشوا معرضهم، بشتى الوسائل، ومع هذا يبقى الأمر صعبا لتحريك الجماهير القارئة للإقبال على المعرض كما كانوا يفعلون قبل الإنتكاسة الأمنية وتوالي الأحداث السيئة على لبنان. ولعل المعجزة التي انقذت المعرض هي استمرار المعرض لما بعد أول شهر 12...( قبض الموظفون مرتباتهم!!!) يجلس الكاتب علي سرور مثلا في زاويته قرب الكافيتيريا ويعرض كتبه ومنشوراته ومعها يقدم الشاي والقهوة والتين والجوز واللوز والزبيب والتمر مجّانا لزواره...ولأنه صاحب نكتة فقد تحولت زاويته لما يشبه نادياً صغيراً ينافس الكافيتريا قبالته. يضع ناشر آخر لافتة كبيرة فوق جبل من الكتب كتب عليها :" الكيلو بأربعين ألف ليرة لبنانية بدل الخمسين ألفا"...نرى ذلك بجناح دار النهار، كلفتة ساخرة من تدني إقبال القراء على الكتب تحججا بأسعارها المرتفعة. وفي مكتبات أخرى مثل مكتبة مالك صناديق لكتب قديمة لا يتعدى ثمن الكتاب منها دولاران ومع هذا القارئ يفلفش الكتب ثم يمضي...هذه الأمور ليست مأساوية، فهناك كتاب نجوم ينتظرهم القارئ بلهفة مثل الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، ومواطنته أحلام مستغانمي، واللبنانية حنان الشيخ والأردني من أصول فلسطينية إبراهيم نصرالله وخالد خليفة وغيرهم...وهناك نجوم تحوّلوا إلى كتاب مثل الممثلة باميلا الكيك التي أصدرت كتاب " شعر" ووقعته، وكريستين حبيب نجمة تلفزيون الجديد التي أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى وكان توقيعها يشبه عرسا إعلاميا جمع أغلب نجوم الإعلام... الندوات غلب عليها الطابع السياسي إلا ما ندر، مثل ندوة " خمسون عاما على رحيل بدر شاكر السياب"، وإحياء الذكرى المئوية للراحل عبد الله العلايلي، وندوة " أنسي الحاج من قصيدة النثر إلى شقائق النثر" وتحية للشاعر سميح القاسم" وأمسية شعرية لشوقي بزيع، وشعراء آخرون برمجوا في الأيام الأخيرة للمعرض، كمسك ختام لهذا الصالون. في الكافيتريا ترى الوجوه كثيرة تعرفها، أحمد علي الزين، الدكتور علي حرب، مارسيل خليفة، زياد الرحباني، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، معالي الوزير نجيب ميقاتي، سامي كليب، وآخرون... تشعر أن بيروت بهرج كبير للنجوم، لكن في عتمة الأعماق أنت تعرف جيدا أن اللبنانيون لا يقرأون، وأن الذين يأتون لمعرض الكتاب محرجون في الغالب من أصدقاء دعوهم لحفلات توقيعهم، أو أنهم جاؤوا لرؤية أصدقاء جاؤوا من بلدان عربية مختلفة، أو أنهم جاؤوا في نزهة بين الكتب عسى أن تشبع العين لأنهم في زمن " العين بصيرة واليد قصيرة"... حتى وإن غضب البعض، فأغلب من رأيتهم يقتنون كتبا سوريون أو عراقيون، نحن أهل البلد و أنا أعتبر نفسي منهم طبعا، نأتي من باب الواجب، أو من باب النزهة، أو من باب رؤية الأصدقاء الزائرين لبيروت...هذا بالمختصر واقع الصالون رقم 58 للكتاب في بيروت، من منظور آخر، بدون مجاملات لأحد، و بدون رتوش لتجميل بؤس هذا الحدث... يا إلهي...من رفع شعار " لا تتركوا الكتاب وحيدا؟؟؟؟" كان مكانه فارغا أغلب الوقت، في مدخل الصالون، إنه الأستاذ رياض الريّس شفاه الله و أطال عمره... فهل يمكن أن نقول إنه موسم القحط وانتهاء العصر الذهبي لبيروت؟ لنقل : لا... فاللبنانيون يعشقون الحياة، وينتصرون دوما لكل مظاهرها، ويعتمدون على أنفسهم لجعل الحياة أجمل و لو تحت القصف... فلنأمل أن يفعلوا ذلك من أجل الكتاب، ولا يتركوه وحيدا، فقد تعوّدنا أن يكون لبنان ناشرا، وبيروت حاضنة لكل العرب، ولكل عشاق الأدب والشعر والفن... المركز الثقافي العربي عبر عن سعادة كبيرة لأن المعرض كان ناجحا بالنسبة له، أحد أعضائه قال إن الإقبال كان أفضل من آخر خمس سنوات الماضية. وأن كل الندوات التي أقامها المركز كان عليها إقبال. وقد سألت أحدهم عن الندوات التي ألغيت في آخر لحظة فأجاب أن كل العتب على الإعلام لأنه اعتمد نشرات وزعت منذ شهر على الجرائد، فلا أحد اتصل بالمكتب الإعلامي للمعرض للاستفسار عن تغييرات البرامج يوميا، فقد حدث معي أن توجهت للمعرض لحضور ندوة الوزير السابق زياد بارود ولكني فوجئت أن الندوة ألغيت ولأنها – كما نشرت الصحف – ستديرها الإعلامية نادين الأسعد فقد سألت نادين عن سبب إلغاء الندوة فأجابتني بالحرف الواحد" أي ندوة؟ ما معي خبر بشي" وكأن المعنيين بالندوة أساسا لا علم لهم وأنهم برمجوا وتم إلغاؤهم دون علمهم أيضا. دار الفرابي احتفلت هذه السنة بجائزة أفضل دار نشر بمعرض الشارقة واحتفلت ببيروت بإقفال سنتها الثامنة والخمسين دفاعا عن الكلمة الحرة وانتصارا لقضايا الفكر والإبداع، ب 2400 عنوان، و1950 كاتبا من كامل العالم العربي احتضنتهم. في جناح منشورات ضفاف ( لبنان) جذب كتاب نقدي لأول مرة جمهورا واسعا، والكتاب تناول ثلاثية أحلام مستغانمي بالدراسة، للأديبة الناقدة منى تيم الشرافي "الجسد في مرايا الذاكرة" التي شرحت أدب مستغانمي محطة محطة، وقدمت للقارئ العربي مفاجآت خارج التوقع. وحتى ندوتها بعد حفل التوقيع جذبت الكثير من الجمهور. الملاحظ أن حفلات التوقيع عموما كانت ناجحة، لأنها في بيروت تعتمد على دعوة الأصدقاء والأقارب والأهل، والجميع يشارك فرحة الكاتب ويأتي من باب تقديم التهاني له، لكن اللافت أن توقيعات أخرى كانت ناجحة دون هذا البهرج " العائلي" إن صح التعبير. توقيع الكاتب الجزائري واسيني الأعرج لروايته سيرة المنتهى كان ضخما، وحتى حين كان واسيني خارج توقيعه يتنقل بين أجنحة الناشرين كان قراؤه يلاحقونه ليوقعوا له. أما النجمة التي حطمت كل التوقعات فهي أحلام مستغانمي مجددا، حتى أن القراء تدافعوا نحوها بقوة ما أساء لبعض الحاضرين والحاضرات، من أجل الحصول على مجموعتها الشعرية الجديدة " عليك اللهفة" الكاتبة ارتبكت من " هول الزحام" حولها والناشر تصرف بعصبية أزعجت الكثيرين، ما جعلها تعتذر على صفحاتها بفايسبوك وتويتر وأننستغرام لما حدث. لكن إقبال الجمهور على مجموعة شعرية بهذا الشكل يعد ظاهرة في حد ذاتها، فمنذ أكثر من عقد من الزمن لم نر جمهورا يقتني الشعر لا في المكتبات ولا في معارض الكتب بهذا الشكل. لا يمكن اختصار فعاليات معرض بيروت للكتاب بكل ما حدث فيه، فأكثر الدور تشتكي من قلة المبيع، ودور أخرى مقتنعة بما حققته، وأخرى باعت بشكل كبير. لكن كتنظيم حدثت لخبطة كبيرة، خاصة في مواقف السيارات، وهذا الأمر خارج نطاق المركز الثقافي العربي الذي ينظم كل سنة المعرض، ذلك أن مواقف بيال تمتلكها شركات خاصة، وقد عملت جاهدة على سلخ جمهور القراء وهم ليسوا بثراء زبائن المطاعم المجاورة للمعرض. ولأن إدارة المعرض أوجدت موقفا مجانيا خلف مبنى المعرض، فعمدت مواقف إلى غلق أبوابها نكاية، وأخرى استعملت موظفين يوهمون القادمين أن لا أماكن مجانية في الخلف. في كل الحالات كان عرس الكتاب تقليديا، وجمع أسماء كبيرة وقدم أسماء جديدة، وناضل من أجل البقاء وسواء أرضى البعض أو لم يرضهم فقد كان موعدا للقاء أحبة الأدب. كل معرض كتاب و أنتم بخير، و رجاء " لا تتركوا الوحيد". إبراهيم نصر الله يوقع إصداره الجديد الوزير نجيب ميقاتي في أحد أجنة دور النشر إحدى الكاتبات توقع كتابها الفنان زياد رحباني في إحدى دور النشر منى الشرافي توقع كتابها عن أحلام مستغانمي واسيني الأعرج يحمل روايته الجديدة مع الفنانة جاهدة وهبه