هو قبول جملة البداية، أو هو التوقف عن الركض خلف الأمنيات والاكتفاء بسردها، هو المسافة اللينة واللزجة، ما إن تقطعها حتى تشعر بالرضا لما هو متاح، وأنت تعلم أنه لن يكون هناك بزوغ مع اتساع المسافات من حولك. قبول المتوافر هو الملاذ الأول، عندما يتعلق الأمر بما يمكن الحصول عليه من الخطوة الأخيرة، من الجملة الأخيرة، من الاعتراض الأخير، من التناقض الأخير، مما يؤدي إلى قبول المرأى الأول. أو هو قبول الشخص على ذاته في مرحلة من مراحل حياته، أو لحظة من لحظات حديث اشتدت به جميع الأطراف، أن يكون ذا مرأى شفاف، ليس بوسع أحد أن يستنجده برأي أخير، أو قطع مسافة أخيرة. هو عدم اللجوء إلى حلول أخرى، أو هو عدم رؤية حلول تطفو على السطح، سوى ذلك الذي تقدّم أولا. قبول المتوافر هو أن ترى ال«ندم» ثلاثة أحرف، أولها حرف النون وآخرها الميم، وليس شعورا يعوّل عليه نتيجة اتخاذ قرار غير صائب، أو استشارة غير صائبة. قبول المتوافر هو العمل على ما تتيحه لك الفرص، وليس ماخطّطت لهُ منذ انطلاقة ذاتك. كأنك لا تعرِف من التجربة سوى أنها نهاية لبداية جديدة تحمل النتائج ذاتها. قبول المتوافر هو الاستقرار على الموجود، ورفع التكلفة عن البحث والتخطيط والعمل على عدم انتهاء الإنسان من صنع نفسه. قبول المتوافر أمر مريح ومرهق في الوقت ذاته، مريح لعدم وجود شيء ما تنتظر استيقاظه، نموّه والعمل عليه، ومُرهق كون «لو» ستظل مُلازمة لكل لحظة من لحظاتك، وتُجردها من أي معنى. قبول المتوافر هو أن تقف بوجهك النقاط في بداية السطر، لتخبرك بانتهاء كل شيء، دون أن تدفعك الفواصل إلى الخروج عن النص. قبول المتوافر، لا يأخذ أكثر مما يُعطيك، لا يأخذ منك شيئا، أيضا لا يُعطيك شيئا. البحث والخطط والتجارب وحدها هي التي تعمل على تقويتنا، لكنها تأخذ منا أيضا. وحدها الخطط من تنتظر خطواتنا، فالخطوات رهينة الخطط والتجربة. مهما تحدث المرء وتوقع وظن وخطّط، إن لم تعمل على تجربةٍ ما. لن تعرف.