يحتاج الإنسان أن يربط على قلبه بصفات المودة لكل من يستحقها، وبالسكوت عمن لا يحبذ الاحتكاك بهم، حرصا على ترابط الأسر وبعدا عن ميدان الحقد والتجريح، إنه الشخص الوفي الذي له حقوق على محيطه إذا أيقن المجتمع بوفائه وكاد أن يتفق، وتصعب معرفة ذلك إلا بالتجارب أو الملازمة في شأن من شؤون الحياة، أو الصداقة أو السفر الذي هو من معايير تجربة الإنسان، أو بالأنباء المتداولة عنه، وتصعب معرفة الإنسان الوفي؛ لأنه لا يحبذ الإفصاح عن مواقفه ووفائه وإيثاره وعمله المعروف ورده وإغاثته الملهوف وصد أقسى الظروف عمن اشتكى، وعانى وبكى، الإنسانية الصامتة بداخله لا تتحدث؛ اكتفت بصنع المشاهد الحقيقية لتتكلم مشاهد الوفاء بدلا عنها، تكلمنا وتحضنا على تقدير صاحبها والتواصل معه، قبل أن يكون التواصل لأي مصلحة ما. إذ لا بد أن يسبق الادلاء بمصلحتك تواصل معتاد وعفوي، لا انقطاع مفاجئ مريب، إذ إن هناك فئة كبيرة من الناس لا يشرعون إلى التواصل مع الشخص إلا حين ضرورة الاتصال به ليخدمهم في موضوع معين، وبعضهم يقدر فارس الوفاء فعلا قبل هذا الاتصال، ولكن لم تهيئ له ظروفه وارتباطاته التواصل قبل هذه الضرورة، ربما لديه الوقت الكافئ للتواصل، ولكن لا يتذكر أحيانا، (ألسنا ننسى الصلاة أحيانا وهي أهم؟)، وبعضهم لا يحمل له أي تقدير رغم مواقفه، ولكن إذا دعت الحاجة إليه يقوم بالتواصل معه لإنهاء موضوعه الذي يؤرقه فقط! ويراه أداة لتنفيذ مصلحته لاغير! *وتزداد نفرة بلهاء المجتمع من الإنسان الوفي وتطرح تساؤلات: -هل من ابتعد عن هذا الفارس بدون سبب كان يرى نقص نفسه إلى جانب صفات الوفي؟ ويريد تسليط الأضواء على شخصيته في ميدان خال من الفرسان؟ أو مليء بأشباهه؟ «والطيور على أشكالها تقع» - أما من اعتراه التسخط والغيظ، فهل يخلق المشكلة ويتصنع الزعل بنفسه بناء على فهم خاطئ لكلمة بريئة؛ لمحاولة تشويش الوفاء في نفس الوفي وتنفيره من صفته الكريمة؟ هيهات! ليته علم أن الوفاء ليس مجرد مهنة ينفر منها صاحبها إبان إحساسه بالإرهاق والتعب إنما هي صفة -حث عليها الدين ووهبها الله لصاحبها- نابتة في النية ثابتة في التصرفات نابعة في صحراء الحاجات القاحلة، ملازمة لصاحبها حتى النهاية. - هل يريد من يخلق الزعل تحريف وتدليس صفات الوفي في أسماع المجتمع وتشويش صورته في عيونهم؟ أم يريد أن يثبت للوفي أنه لا يستطيع أن يستمر في وفائه وخلقه الحميد بناء على خطئه الذي أزعله؟ (وهذا محض حسد لا غير). يقول الشاعر: لكنها الأيام تبدي للورى ما يستثير حفيظة العقلاء على المجتمع أن يعرف أن الإنسان -الذي اتصف بالوفاء- بشر مثلهم وليس نبيا مرسلا معصوما، وكلامه ليس كتابا منزلا محفوظا، إنما تشوبه بعض من الأخطاء والتصرفات؛ لذلك لا يتفاجأ البعض بزلة ضئيلة انفلتت من لسانه على غير قصد، أو غضب لشيء رآه من تصرفات هوجاء، أو تحايل واضح، أو فكر عقيم. على المجتمع إعادة تأهيل الوفاء في النفوس بتفعيل ميزان الإيجابيات والسلبيات مع الوفي، سترجح إيجابياته ووقفاته وطيب ذاته بهذه الكفة حتما، مقارنة بسلبياته التي إن كثرت غرقت في بحر إيجابياته المشهودة.